ياسر الصالح
&
لم يكن الرئيس أوباما ليرسل في هذه الفترة بالذات الرسالة الثالثة للسيد علي الخامنئي مرشد الثورة في إيران إلا لأنه كما يبدو قد توصل لقناعة في شأن الحروب والصراعات المعلنة والخفية التي تشهدها المنطقة بين الطرفين: الولايات المتحدة والصهاينة والغرب وبعض الحلفاء الإقليميين من جهة، ومحور المقاومة والممانعة الذي تمثله إيران وحلفاؤها المعروفون في المنطقة وانضمت إليه روسيا وبدرجة أقل الصين، من جهة أخرى.
&
لم يكن أوباما ليرسل هذه الرسالة الثالثة للسيد الخامنئي لو أنه كان مرتاحاً من نتائج هذه الحروب بين المحورين، فأوباما قد قاتل محور الممانعة بالمال الخليجي وبالفكر والمنهج واللحم التكفيري، ولا يزال بعض حلفائه يدعمون «داعش» وجبهة النصرة ومنهم تركيا التي تكفلت وبمساندة أموال خليجية بدعم «داعش» لوجستياً من خلال إمرارها للمعدات الحربية وللسيارات اليابانية ذات الدفع الرباعي وغيرها، وكذلك عبر شرائها وتسويقها للنفط «الداعشي» المسروق من الحقول في سورية والعراق، أما إسرائيل الصهيونية فقد تكفلت وبمساندة أموال أخرى بدعم جبهة النصرة، التي هي فرع تنظيم القاعدة الرسمي، مالياً وصحياً وحتى ميدانياً بإسنادها مدفعياً متى اقتضت الحاجة في المعارك التى تخوضها النصرة بالقرب من حدود الجولان حيث يتواجد الصهاينة.
&
لم يعد خافياً حجم الورطة التي وقعت فيها الولايات المتحدة وحليفاتها بمراهنتهم على التكفير وأدواته لهزيمة محور الممانعة، فلم يستطع هذا التكفير أن يحسم الحرب، بل أصبح من الواضح أنه، بشقيه «داعش» والنصرة، بات في تراجع على أيدي حلفاء إيران في العراق وسورية وليس بسبب الغارات الهزلية للتحالف الأميركي.
&
إسرائيل ومعها بعض حلفائها الإقليميين قلقون من محادثات مسقط بين إيران والولايات المتحدة ومن نتائج هذه المحادثات، فالبراغماتية الأميركية لا يؤمن جانبها، فهي لا تعرف لا ولاءات ولا أخلاق، هي تتعامل فقط وفق المصالح، فقيمة الحليف تساوي ما يقدمه من هذه المصالح وعندما تهبط كفته مصلحياً تهبط قيمته ليذهب فارق القيمة إلى مكان آخر حيث المصلحة الأميركية، وهذا بالضبط ما يخشاه الصهاينة وحلفاؤهم في المنطقة، ومن هنا يستشعر حلفاء الولايات المتحدة بأن احتمالات الخطر بدأت تنفتح على وجوداتهم السياسية وربما الفعلية، فقد يكون الخطر عليهم نتيجة لعوامل طبيعية ناتجة من دخولهم في الصراع ضد قوى الممانعة في سورية والعراق ولبنان وفلسطين حيث كانوا معتمدين على الدعم والحماية الأميركية، أما الآن فهم يخشون ويحتملون أن يتركوا ليواجهوا مصيرهم من دون هذه الحماية، أو أنهم قد يستشعرون الخطر من احتمال انقلاب قد تقوم به الولايات المتحدة نفسها عليهم لاستبدالهم ببدلاء يستطيعون حفظ مصالحها بشكل أفضل ويستطيعون التأقلم مع المعطيات الجديدة والمستجدة في المنطقة كالقبول بإيران قائداً جديداً للمنطقة، وبحيث يكون هؤلاء البدلاء غير ملوثين بتركات دعم التكفير وبمذابحه وجرائمه ضد الإنسانية إن في المنطقة أو في فلسطين.
&
المرشد الخامنئي وعبر عشرين عاماً من تقلده المسؤولية أثبت حكمته في إدارة ملفات الداخل الإيراني الاقتصادية والتكنولوجية والتنموية والسياسية والأمنية رغم كل الحصار والاستهداف الصهيوأميركي والغربي وحتى العالمي، وأثبت حكمته كذلك في الملفات التسليحية والعسكرية وفي ملفات السياسة الخارجية الإقليمية والدولية، وشخصية كهذه يحتاج أوباما ليحاورها بعد أن فشل في هزيمتها، فأوباما برغماتي واقعي كما هو نظامه... وهذا الانفتاح على إيران هو ما يفرضه الواقع..