&&يارا وهبي

&

&

&

&

&


&

&

ما يحدث في سورية والعراق، بعيد جغرافياً عن ألمانيا، فالألمان منذ سنوات ينامون ويستيقظون وهم يسمعون ويقرأون ويشاهدون ما يجري هناك، وبقي حالهم هذا الى وقت قريب. لكن الأحداث بدأت تأخذ مجرى مختلفاً وأصبح الخطر البعيد شديد القرب، وذلك مع ظهور «داعش» وانكشاف قدرتها على اختراق المجتمع الألماني عبر شبكات التواصل وجذبها الكثير من الشباب الأوروبي والألماني للقتال في صفوفها. هذا الاختراق طرح الكثير من الاسئلة، حول الداعشيين والفرق بينهم وبين السلفيين والمسلمين العاديين. المرأة المحجبة مشروع جهادية، الرجل الملتحي مشروع تفجيري، الوصفة السرية لاندماج المهاجرين مع المجتمع الألماني، ودور الساسة في كل ذلك... هذه كلها مما رافق انشغال ألمانيا المستجد بـ «داعش».

أسئلة لم تكن لتطرح بهذا الإلحاح من قبل. فلم يكن المجتمع الألماني يعاني أو يشتكي بصوت مرتفع من ظاهرة إطلاق اللحى او ارتداء الحجاب كما تفعل الجارة فرنسا، وبخاصة أن غالبية المهاجرين المسلمين في ألمانيا هم من أصول تركية وليسوا عرباً، وفي هذا فارق، كون العلاقة بين تركيا وألمانيا علاقة تاريخية وإلى حد ما، يمكن القول إنها علاقة عملية، فتعتبر ألمانيا البلد الأول في استضافة العمالة التركية. وباستثناء ما نشر على لسان هلموت كول، عن نيته في الماضي إعادة نصف الأتراك إلى بلدهم الأصلي كونهم أقل اندماجاً مع المجتمع الألماني، فليس هناك خصام واضح بين الطرفين، وكثر من المسلمين هنا يقولون إن احداث 11 أيلول (سبتمبر) عبرت الى حد ما بسلام.

لكن ما جرى في الآونة الأخيرة، بخصوص ظهور ألمان داعشيين وشرطة شرعية تجوب الشوارع وتنصح الناس بعدم شرب الخمر أو ارتياد البارات، بدأ يثير الشكوك حول حقيقة اندماج المسلمين في المجتمع الألماني، ويطرح الكثير من التساؤلات، حول علاقة ألمانيا بمسلمي بلادها، وصار ظهور شيخ جامع أو باحث إسلامي على شاشة التلفزيون الالماني أمراً مكرراً، بهدف شرح مبادئ الدين الاسلامي، ومحاولة الرد على الاسئلة المقلقة التي تدور في ذهن الألمان. ولعل أخطر ما حدث أخيراً هو اعلان أحد الشبان الأتراك الألمان ويدعى أورهان، تأييده المباشر لـ «داعش»، وقوله صراحة لو أن عائلته لم تتقبل ما تدعو إليه «داعش» من تطبيق للشريعة لقتلها، مما دفع بالسلطات الألمانية إلى اعتقال الشاب وترحيله من ألمانيا إلى تركيا. ووفق بعض الصحف الألمانية المتابعة، فإن الشاب حر طليق في تركيا.

&

«داعشيون» ألمان

قامت السلطات الألمانية أخيراً بتحليل 380 صورة لمجاهدين ألمان سافروا إلى العراق وسورية، وثبت من تحليل الصور أن غالبية المنضمين إلى «داعش» هم دون الـ 30 عاماً، وثبت أيضاً وجود عدد قليل من الرجال من سن 63 عاماً. كما أن 89 من الجهاديين هم من الرجال و11 في المئة من النساء، و 60 في المئة من حاملي الجنسية الألمانية. أما النسبة الأهم وهي 61 في المئة من جهاديي «داعش» فهم في الأصل ولدوا في ألمانيا وعاشوا فيها وقتاً طويلاً من الزمن. أما النسبة الباقية فقد عاشوا فيها لسنوات، وعلى هذه النتيجة يعلق دكتور القانون توفيق ريحان، السوري الأصل المقيم في ألمانيا بالقول: المشكلة تتجلى فعلاً في فئتين من «الجهاديين» الألمان، فئة الذين ولدوا وعاشوا هنا وليست لهم إي صلة بالعالم الاسلامي، فهؤلاء يصلّون في مساجد ألمانيا ولكنهم بشكل أو بآخر ينتمون إلى الثقافة الاوروبية. لذا ليست لهم هوية واضحة، على عكس أهلهم الذين تربوا في جو ديني وسطي في بلدانهم واستطاعوا الى حد ما أن يتعايشوا مع المجتمع الألماني مع الحفاظ على جذورهم، وهؤلاء لم يعانوا من مشكلة الهوية كأولادهم. أما الفئة الثانية من الداعشيين، فهم الالمان الذين دخلوا الدين الإسلامي، فهؤلاء يغالون في تعصبهم أكثر من المسلمين أنفسهم، مثل بعض الروس الذين يحملون الجنسية الألمانية، فبعضهم يتعصب لألمانيته أكثر من الألماني نفسه. ومن جهة أخرى، يؤكد ريحان أن القانون الألماني يجب أن يكون عادلاً تجاه أي متطرف، فهو لا يرى فرقاً بين متطرف مسلم أو آخر نازي، وعلى الإثنين أن يحاكما بموجب القانون نفسه. فخطورة التطرف هي واحدة...

وعلى هذا يعلق جورج ديتزيل وهو مهندس متقاعد من حزب cud قائلاً: نعم التطرف هو واحد، لا يمكن أن يكون هنا على نحو وهناك على نحو مختلف، ونحن كألمان لنا تجربة مؤلمة مع الجماعات والأفكار والتنظيمات المتطرفة، والتاريخ النازي مملوء بالقصص المخجلة، لذا من المتوقع ان يكون الساسة في ألمانيا، قد طوروا أدوات أكثر فعالية من أجل محاربة التطرف، فقد أظهرت النتائج أن الحروب لا يمكن أن تقضي على التطرف، ومع هذا أنا شخصياً لا أرى الأمر خطيراً على النحو الذي يروج له. فالداعشيون الألمان، الذين يذهبون إلى سورية او العراق لن يعودوا في غالبيتهم، وسيموتون هناك أو سيبقون، وبخاصة بعد صدور قوانين جديدة تخول سحب الجنسية والهوية الألمانية من كل من يثبت قتاله مع «داعش».

&

التعليم والتعليم والتعليم

تؤكد البرلمانية السابقة كريستينا ليدا من حزب spd لـ «الحياة»، أن التعليم هو العملية الأساسية التي تساعد في تجنيب أي شخص ألماني الانتساب إلى هذا التنظيم، وتقول: «التعليم، التعليم، التعليم، ومن ثم ايجاد فرصة عمل جيدة ولائقة، من شأنها أن تعزز الشعور بالانتماء الوطني»، ومع هذا فهي تؤكد أن تعلم اللغة الألمانية وحده، لا يصنع للمهاجر وطناً، يجب أن يشعر المهاجر أو الألماني من أصول غريبة أن ألمانيا بالفعل وطنه. خلق هذا الشعور قد يكون سر نجاح عملية الاندماج، وهذا يتطلب عملاً دؤوباً من الساسة وفق زعمها.

كما أن ليدا تفرق بين الأسباب التي تدفع الشبان الألمان للانتساب إلى «داعش»، عن تلك التي تدفع الشابات الى ذلك، فمن وجهة نظرها ثمة فارق كبير في الدوافع والأسباب، فرغبة الشاب أن يكون مهماً، وقوياً، ومخلصاً، ورافعاً للظلم، هي أهم الأسباب الذي تدفع الشبان إلى اللحاق بـ «داعش»، بينما رغبة الفتيات بتجربة مشاعر جديدة أو مغامرات غير مألوفة واعتقاد الكثيرات بأنهن قد يستطعن مساعدة الاطفال والنساء هناك هي التي تدفع بخاصة المراهقات للحاق بـ «داعش».

ويؤكد الكثير من الألمان الذين استطلعنا آراءهم، أن الداعشية استطاعت أن تخلق لنفسها صورة المخلّص أو القادر القوي، صورة تثير خيال ومشاعر عدد من الشبان والشابات، وتصورهم أمام أنفهسم على أنهم أبطال، إضافة إلى أن العجز الحقيقي عن إنهاء الأزمة السورية أغنى هذه الصورة وألهبها.

ومن جهة اخرى، كشفت دراسة حديثة أن 12 في المئة من الجهاديين قد عملوا في قطاع الأجور المنخفضة، و116 من حاملي الشهادات الثانوية فقط، ومنهم من دخل الى الجامعة وتخرج بمؤهل جيد، ومنهم الشاب التركي اورهان الذي سبق ذكره، فهو خريج اقتصاد، مما يطرح تساؤلاً من نوع: هل التعليم والعمل والشهادات العليا تجنّب المسلم الألماني التفكير في الانضمام الى «داعش»؟

وفي هذا الصدد، فإن بربارة بوف وهي مهندسة في قطاع الصلب وكانت سابقاً مديرة قسم في أحد معامل هيسن تحمّل المجتمع الألماني جزءاً من المسؤولية، فتروي تجربتها الخاصة مع المسلمات التركيات: «كانت تعمل في المعمل أكثر من 100 أمرأة تركية مسلمة، بعد أحداث 11 أيلول ونتيجة الضغوط التي حصلت والتي كانت على شكل تساؤل أو شك، وصلت ذات يوم الى المعمل، فوجدت غالبية الفتيات قد ارتدين حجاباً، ووجوههن كانت متجهمة، رأيت حينها في هذا نوعاً من الإضراب العلني، فهن لم يتوقفن عن العمل، لم يعترضن على كثرة التساؤلات التي تحوم حول انتمائهن، بل قمن برد فعل سلمي بإشهار إسلامهن. ذكرت هذا لأقول إن مجتمعنا الألماني يلعب دور الضاغط، وهو نفسه لم يتخلص من تعصبه، وبخاصة في شرق ألمانيا وفي الأماكن التي لم تستقبل الكثير من الغرباء في ما مضى، فألمانيا الغربية تعودت على وجود الغرباء كعنصر أساسي في المجتمع. أما في شرق ألمانيا، فالأمر ليس على هذا النحو».

&

المسلمون مراقبون

من جهة اخرى، يؤكد كثير من المسلمين سراً أحياناً وجهاراً أحياناً أخرى وبخاصة في المدن الكبرى، والتي توجد فيها جوامع كبيرة تؤمّها أعداد كبيرة من المصلّين، أنهم مراقبون، وأنهم لا يمارسون شعائرهم الدينية بالحرية التي يرغبون، فوجود جامع لا يعني وجود حرية فعلية للصلاة. وفي الوقت نفسه، تقر الشرطة الألمانية بحقها في مراقبة كل ما يثير الشك أو الريبة. فحماية أمن ألمانيا أولوية، وفي هذا السياق قامت الشرطة أخيراً، بتفتيش 15 شقة سكنية، في هامبروغ وسكسونيا ومورتمبورغ وهيسن، لمشتبه بهم من أحرار الشام و «داعش»، وقد تبين أن جماعة تابعة لأحرار الشام في ألمانيا كانت قد زودت مجموعتها بأحذية وقمصان عسكرية بقيمة 130 ألف يورو. وعلى صعيد آخر، صرح أحد العاملين في قسم شرطة تورنغن ويدعى أوتو فوكت، وهو شرطي متقاعد «أن مراقبة اللاجئين أو المقيمين المشتبه بهم أمر قديم في ألمانيا، ولكن في الماضي كانت الشكوك تتمحور حول الغرباء الذين يأتون للتجارة بالمخدرات، وقد تمكنّا منذ سنوات بفضل نظام المراقبة هذا، من القبض على شبكة كاملة لتجارة المخدرات، أعضاؤها كانوا طالبي لجوء هنا، من اصول ألبانية، الآن الأمور أصبحت أكثر تعقيداً، حيث دخل ملف الإرهاب بقوة، وأصبحت علينا مراقبة وملاحقة أي متهم بجرم الإرهاب، سواء «داعش» أو غيرها من المنظمات الإرهابية، وإن كانت عناصر «داعش» أو مؤيدوها يتصدرون أولى الاهتامات، ولكننا كشرطة وقوة أمن علينا اتباع كل الأساليب التي ينص عليها القانون لتجنيب ألمانيا أي عمل أرهابي في المستقبل».

وكان مدير شرطة تورنغن أكد سابقاً، أن الدراسات الجنائية أثبتت أن 1,3 في المئة من الجرائم في المنطقة كان الأجانب سببها، لذلك علينا أن نكون منصفين بحق الغرباء ولكن هذه الإحصاءات كانت قبل ظهور شبح «داعش» بهذه الطريقة.

&

لا لخلط الأوراق

ظهور «داعش» في هذا الوقت، وظهور مؤيدين لها في ألمانيا من المهاجرين، يجعلان البعض متخوفاً وشديد الحذر من فكرة استقبال ألمانيا المزيد من اللاجئين السوريين. وفي هذا الصدد، ظهرت آراء مختلفة وتجاذبات سياسية كبيرة، فحزب spd المعروف بسياسته المؤيدة للاندماج يؤكد ضرورة جلب المزيد من اللاجئين السوريين وتوفير الحماية لهم بينما يعلن البعض رغبته في انتقاء المسيحيين منهم، وقد قالها صراحة في ما سبق الراهب كريستان تشش المنتمي الى حزب cdu. أما حزب الخضر فوفق فلسفته، يعتبر أن ليس من الممكن أن نخلط الأوراق: المهاجرون أو الفارون من الحرب في جانب، والداعشيون المتطرفون في جانب آخر.

وبين كل هذا وذاك يبقى ملف «داعش» والإرهاب الملف الأكثر إثارة للجدل في ألمانيا.
&