محمد خليفة

يتصاعد المشروع الإصلاحي الذي يقوده الملك حمد بن عيسى آل خليفة في مملكة البحرين الشقيقة، وسط إجماع شعبي واسع على أهمية التحديث وضرورته لنقل البحرين إلى مصاف الدول المتقدمة في العالم، وكان إجراء الانتخابات النيابية والبلدية في 22 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي خطوة مهمة لتعزيز دولة المؤسسات، فقد جرت تلك الانتخابات في جو ديمقراطي حر، تنافس فيها 418 مترشحاً، منهم 266 مترشحاً لنيل عضوية مجلس النواب، و153 مترشحاً لشغل عضوية المجالس البلدية .

لقد فتحت انتخابات البحرين آفاقاً سياسية جديدة، بما يكفل الوصول إلى توافق سلمي بين كافة القوى السياسية التي أثبتت حرصها على الوحدة الوطنية الجامعة . وأعرب عاهل البحرين عن اعتزازه البالغ بوعي الشعب البحريني، وتقديره للمشاركة الشعبية الواسعة في الانتخابات، والتي عكست وعي الناخبين البحرينيين رجالاً ونساءً في اختيار ممثليهم بكل حرية ومسؤولية . وشدّد على أن نهج الشورى والديمقراطية سيبقى نهج حياة وعمل للبحرين وأهلها، وأن المسيرة مستمرة مع عزيمة صادقة وإرادة راسخة لبناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة .


ومنذ تولى عاهل البحرين مقاليد الحكم، وضع نصب عينيه تحديث المملكة، واتخذ عدة خطوات جادة أهمها، ميثاق العمل الوطني الذي يعد وثيقة سياسية تضمنت مبادئ وطنية عامة، وأفكاراً خلاقة لتحديد مسارات العمل الوطني حاضراً ومستقبلاً، بما في ذلك التوجهات التي تحكم نطاق وطبيعة التعديلات الدستورية المراد إدخالها .

وقد تم الاستفتاء على هذا الميثاق يومي 14 و15 فبراير/شباط ،2001 وحاز رضا أغلبية الشعب البحريني، فوافق عليه بنسبة 4 .98%، كما كانت المشاركة الشعبية في الاستفتاء عالية إذ وصلت إلى 3 .90% من المؤهلين للتصويت . وتغير اسم الدولة، من دولة البحرين إلى مملكة البحرين .

وأصدر في 5 فبراير 2001 عفواً عاماً عن كل المعتقلين السياسيين، وكل المبعدين والسماح بعودة أقطاب المعارضة من الخارج، وكان قرار العفو هذا يهدف إلى إظهار الجدية في توسيع هامش الحرية والمشاركة الشعبية، بما يؤدي إلى ترسيخ الاستقرار السياسي والأمني في المملكة . وشجع الحماس الشعبي للديمقراطية القيادة السياسية البحرينية على اتخاذ عدة إجراءات لاقت صدى طيباً داخل المجتمع البحريني . وجاءت الانتخابات البرلمانية في 24 أكتوبر/تشرين الأول عام ،2002 كتتويج لذلك المسار الديمقراطي الذي راح يشق طريقه في المجتمع البحريني .


وترافق هذا التحديث السياسي مع نهضة اقتصادية كبيرة، فقد تسارعت خطا الإصلاح الاقتصادي الذي وضع في مقدمة أولوياته رفاهية المواطن البحريني، وتنويع مصادر الدخل من خلال تقليل الاعتماد على الموارد النفطية، وإطلاق رؤية اقتصادية تحاكي المستقبل لعام ،2030 وتضمن ايجاد جيل من الشباب البحريني قادر على النهوض بمتطلبات المرحلة القادمة، والوصول إلى التنمية المستدامة .

وتملك البحرين مقومات اقتصادية كبيرة، فهي ذات موقع استراتيجي مهم في الخليج العربي، ولديها اقتصاد مفتوح، وفيها خبرات وطنية متميزة، وقد استثمرت البحرين بكثافة في صناعة التمويل، وأصبحت موطناً لكثير من المؤسسات المالية الكبيرة . وتساهم صناعة التمويل بنسبة 6 .27% من الناتج المحلي الإجمالي . ويمكن اعتبار البحرين المركز المالي الأكثر نشاطاً في المنطقة، إذ يوجد فيها أكثر من 400 مؤسسة مالية، منها العديد من المؤسسات العالمية المرموقة . وفي عام 2008 كانت البحرين المركز المالي الأسرع نمواً في العالم من حيث مؤشر المراكز المالية العالمية في لندن .


ولدى البحرين مخزونات كبيرة من الطاقة وهي تمثل 60% من عائدات التصدير، و70% من الإيرادات الحكومية، و11% من الناتج المحلي الإجمالي . ووفقاً لمؤشر الحرية الاقتصادية عام ،2012 فإن لدى البحرين اقتصاداً هو الأكثر حرية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتعد من أوائل الدول في المنطقة التي حصلت على عضوية بمنظمة التجارة العالمية .

وهي ترتبط باتفاقيات ثنائية تجارية واقتصادية مع 43 دولة، وفي البحرين مشاريع اقتصادية حيوية أبرزها ميناء خليفة الذي يعد واحداً من أكبر الموانئ الخليجية، وأكثرها تطوراً على مستوى المنطقة، إضافة إلى وجود منطقة البحرين اللوجستية، ومرسى البحرين للاستثمار الذي تم تطويره بنحو 6 .1 مليار، وهو أكبر مشروع صناعي يشرف عليه القطاع الخاص في البلاد .

وبفضل الجهود الواعية للملك حمد بن عيسى، فقد استطاعت البحرين أن تقدم نموذجاً للريادة يفخر به كل خليجي وعربي، وفق رؤية تؤكد أن شعب البحرين كيان متماسك، بغض النظر عن الانتماءات المذهبية أو الطائفية أو العرقية، وأن مشروع الإصلاح هو، في النهاية، لخدمة المواطن البحريني، يهدف لإعلاء شأن البحرين بين الأمم الأخرى . ومن دون شك فإن مسيرة الإنجازات سوف تستمر في مملكة البحرين، بتلاحم وتناغم بين قائد حكيم ملهم وشعب واع مخلص لقيادته ووطنه .