صالح القلاب

في كل يوم يتضح أن لإيران في العراق جيوشاً جرارة، يقودها ويشرف عليها نحو ألف خبير من كبار جنرالات حراس الثورة والقوات المسلحة الحكومية الرسمية، والمعروف أن طهران دأبت على السعي إلى إقحام نفسها بالتحايل وبالقوة من خلال سياسة الأمر الواقع في "تحالف" مواجهة تنظيم "داعش" والحركات الإرهابية الأخرى، لتعطي لوجودها العسكري في العديد من الدول العربية، وفي مقدمتها سورية، الطابع "الشرعي".


ربما هناك، مِمَّنْ لا يعرفون حقائق الأمور، مَن لا يجدون ضيراً في مشاركة إيران في الحرب على الإرهاب باعتبارها دولة إقليمية معنية بهذه المسألة الخطيرة، لكن ما يجب لفت انتباه هؤلاء إليه هو أنَّ أي وجود عسكريٍّ إيراني، إنْ في العراق أو في سورية، سيُنْظر إليه على أساس طائفي ومذهبي، خصوصاً أن طهران دأبت منذ انفجار الأزمة السورية في 18 مارس (آذار) عام 2011 على إرسال أرتال طائفية من كل حدبٍ وصوب للدفاع عن نظام بشار الأسد وحمايته من شعبٍ يُفترَض أنه شعبه.


شكّل العرب السُّنة حاضنة لـ"القاعدة" ولاحقاً لـ"داعش"، لأنهم تعرضوا لإذْلال طائفي وقومي من الذين اعتبرهم بول بريمر واعتبروا هُمْ أنفسَهم المنتصرين، ولذلك فإن هؤلاء، أي العرب السُّنة، اعتبروا التمدد الإيراني في بلدهم، العراق، إنْ في هيئة ميليشيات طائفية أو أجهزة استخبارية ومخابراتية أو قوات عسكرية، بمثابة احتلال بغيض يستهدفهم دون غيرهم، ويستهدف مكانتهم ودورهم التاريخي.


هذا هو ما دفعهم دفعاً إلى الاحتماء بدايةً بـ"القاعدة" ولاحقاً بـ"داعش"، فحالهم أصبحت كحال "المستجير من الرمضاء بالنار"، وما زاد هذه الأوضاع المأساوية تفاقماً هو تربع نوري المالكي على كرسيِّ الحكم ثمانية أعوام متتالية، بقي يتصرف خلالها كـ"مندوب" وكوكيل للوليّ الفقيه، وبقي يُمعن، عن سابق تصميم وإصرار، في إهانة العرب السُّنة وإذلالهم، والتصرف معهم على أنهم فلول نظام صدام حسين، وأنه غير مسموح لهم بأن يشاركوا إطلاقاً في المرحلة الجديدة.


هذه هي البيئة التي جعلت "داعش" يحقق كل هذا الحضور الذي حققه في مناطق العرب السُّنة، وكان بالإمكان تدارك هذه الأمور لاحقاً لو أنَّ إيران لم تحُلْ دون عسكرة وتسليح هذه المناطق السنية، بحجة أن أهلها سيسرِّبون الأسلحة التي سيحصلون عليها إلى التنظيمات الإرهابية، وبخاصة ما يسمى الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام، والصحيح هو أنَّ الإيرانيين، الذين ينطلقون من منطلقات مذهبية وطائفية، لا يريدون أي إخلال بموازين القوى القائمة الآن، ويصرّون على استمرار تفوق الكتلة المذهبية التي يعتبرونها جالية إيرانية في العراق.


ولذلك فإنه يجب أن يدرك كل المعنيين بهذه المسألة أن كل هذا الوجود العسكري الإيراني الذي يزداد مع مطلع شمس كل يوم سيدفع العرب السُّنة، أولاً في العراق وثانياً في سورية، إلى التمسك بـ"داعش" وغيره من المجموعات والتنظيمات الإرهابية، وهذا يجب أن يفهمه الأميركيون جيداً، فهم كما يبدو مَن دفعوا إيران إلى تعزيز وجودها العسكري على الأراضي العراقية والسورية، وهم مَن يحاولون إقناع باقي دول "التحالف" بإمكانية انضمام طهران إلى هذا التحالف.
&