محمد محفوظ

على المستوى العربي والإسلامي العام، ثمة قناعة يعبر عنها في بعض الأحيان بمواربة أو تورية ومفاد هذه القناعة : إننا كدول عربية وإسلامية وكذلك شخصيات وفعاليات وجماعات، لماذا، نعمل من أجل تدمير تنظيم داعش، وهل لنا مصلحة في ظل الانقسام الطائفي، وملامح الوفاق أو التوافق الأمريكي الإيراني في محاربة تنظيم داعش وأمثاله من الجماعات العربية، أم مصلحتنا الحقيقية على الضد من ذلك تماما، وبالذات بعد فشل أو إجهاض مشروع الخوان في المنطقة، وبالتالي قناعة يشترك في بلورتها والبوح بها، مجموعات متنوعة أيدلوجيا وسياسيا، ولكنها تشترك في الانتماء الإسلامي السني، وكذلك في الشعور المشترك بالخطر الإيراني الذي يعتبره العض أكثر خطرا من الخطر الصهيوني؟

وإذا أردنا أن نتوسع قليلا في هذه المسألة نقول الآتي : في ظل الانقسام الطائفي الممتد في الكثير من مناطق وبلدان العالم العربي والإسلامي، وفي سياق ما وصلت وآلت إليه دول الربيع العربي، ثمة شعور أن المنطقة بكل دولها وأطرافها، تعيش حالة من غياب التوازن الاستراتيجي بين دولها ومحيطها الإقليمي، كما أنه بين مشروعاتها السياسية التي تعبر عنها دول عربية أو دول إسلامية حليفة لهذه الدول ..

وإننا كدول عربية وإسلامية وكذلك فعاليات وجماعات، لم نتمكن لأسباب ذاتية وموضوعية من إعادة التوازن الاستراتيجي في المنطقة، وإن استمرار حالة اللاتوازن الاستراتيجي يهدد الأمن القومي للعرب، كما يهدد المصالح العليا للعالم العربي برمته. وإنه في ظل عدم قدرتنا على خلق هذا التوازن، برز في المشهد العربي والإسلامي تنظيم داعش وإخوانه من الجماعات التكفيرية والإرهابية، والذي نختلف معه، ولا نلتقي أو نتقاطع استراتيجيا مع طريقته ومنهجه في العمل العام.

إلا أن هذا التنظيم الذي بعضنا يرفضه جملة وتفصيلا، وبعضنا الآخر يقبله في الإجمال ويتحفظ على بعض أولوياته وممارساته، تمكن هذا التنظيم من تحقيق نجاحات ومكاسب، تضعف إيران بوصفها العدو والخطر؛ لهذا فإن السنة في المنطقة دولا وجماعات وشخصيات ترى في تنظيم داعش وأخواته، بأنه رأس الحربة في مشروع إضعاف إيران وخلق التوازن الاستراتيجي معها فتعالوا اليوم بغض النظر عن ممارساتها، نرفض ضربها والقضاء عليها، حتى تتمكن من كسر الصعود الإيراني، وتحقيق التوازن الاستراتيجي، وبعد أن نصل إلى مرادنا نتخلص من هذا التنظيم ونعمل بكل إمكاناتنا للقضاء عليه.

أسوق هذا الكلام للقول إنه ثمة نخبا عربية وإسلامية سنية تعبر عن هذه القناعة، وترى أن هذه الجماعات في ظل هذه الانكسارات هي القادرة وحدها على خلق التوازن الاستراتيجي المطلوب.

لذلك فإن هذه النخب، ترفض مشروع التحالف الدولي، وكأنه يدمر الخيار الوحيد المتبقي لإضعاف الصعود والنفوذ الإيراني.

وحسنا فعلت حكومة خادم الحرمين الشريفين، حينما دعت وساهمت بفعالية في تأسيس مشروع التحالف الدولي للقضاء على داعش والمجموعات الإرهابية الأخرى؛ لأن كل هذه الجماعات والمجموعات بنهجها التكفيري وسيرتها العنفية، تشكل خطرا حقيقيا على أمن واستقرار المنطقة.

وحينما نتخلص من هذا العبء الإرهابي، وننظف ساحاتنا العربية من فكره ومخاطره، نتمكن من خلق حالة التوازن الاستراتيجي المطلوب.

وإذا سمحنا اليوم لهذه الجماعات بالتمدد الأفقي والعمودي، فسيأتي ذلك اليوم الذي سنشعر جميعا بخطرها وتهديدها المباشر على أمن واستقرار الجميع.

وإن استدعاء أو بناء تحالف دولي لمحاربة هذه التنظيمات الإرهابية، هو أفضل الحلول للتخلص من هذه الآفة الخطيرة التي بدأت تستشري في المنطقة العربية والإسلامية كلها.

لأننا لو سمحنا لها بالتمدد تحت إطار كسر الصعود والنفوذ الإيراني، فإنها ستراكم من عناصر قوتها وتمددها الأفقي والعمودي، ما يصعب علينا مستقبلا مشروع القضاء عليها.

وإن خلق حالة التوازن الاستراتيجي متاحة لدول المنطقة، حينما تتحد وتتوافق في الأولويات والاستراتيجيات بدون الحاجة إلى الجماعات التكفيرية التي وإن حققت لنا بعض المكاسب، إلا أن أضرارها ومخاطرها أضعاف ما نرجوه منها.

ومن الضروري في هذا الإطار القول : إن القناعة التي عبرت عنها بعض النخب العربية أزاء ظاهرة داعش وأخواتها، ليست نابعة من قراءة عميقة وموضوعية إلى طبيعة الصراع السياسي القائم في المنطقة اليوم، وإنما هي قراءة مأزومة، نابعة في تقديرنا من ضياع الحلم لبعض جماعات الإسلام السياسي من جراء مآلات دول الربيع العربي؛ لأن هذه الجماعات تقاطعت منذ اللحظة الأولى مع تحولات الربيع العربي، وراهنت إستراتيجيا على قدرتها في تجسير العلاقة مع الولايات المتحدة عبر الحليف أو الصديق التركي للسيطرة الكاملة على كل دول الربيع العربي، ما سيوفر لها قوة سياسية هائلة، تمكنها من تغيير خريطة التحالفات في منطقة الشرق الأوسط، ولكن حسابات الحقل لم تكن منسجمة أو متناغمة مع حسابات البيدر، فلم يصل هذا المشروع الحلم، إلى نهاياته السعيدة. ودخلت دول الربيع العربي في مآزق عديدة، انتهت في بعض الدول إلى خروج جماعات الإسلام السياسي من الحكم ومعادلات الحياة السياسية الجديدة.

وفي ظل حالة الاحتقان التي ترتبت على مآلات الربيع العربي، بقي خيار الجماعات التكفيرية بوصفها الخيار الوحيد الذي يتمكن من تغيير المعادلة وإنهاء حالة الفراغ الاستراتيجي، ودفع جميع الأطراف في ظل حالة الخوف من داعش وأخواتها، إلى إعادة الاعتبار والتواصل مع جماعات الإسلام السياسي المعتدلة.

ولكن لأسباب عديدة، لا داعي لذكرها، لم يتحقق هذا السيناريو المأمول. فأضحى الخيار المتاح أمامهم، هو السماح لهذه الجماعات بالتمدد وبناء قوتها، لكونها تتمدد وتحقق انتصارات على أعدائنا على المستويين الطائفي والسياسي، وإن مراكمة هذه الانتصارات سيفضي إلى إعادة التوازن الاستراتيجي، الذي سيملأ بالدور التركي ومن ورائه الجماعات المحسوبة عليه أو المتحالفة معه.

ولكن مبادرة المملكة في بناء التحالف الدولي لمواجهة الإرهاب، أفشل هذه المخططات والتصورات والرغبات.

وذلك لأن الأفكار المأزومة، لا يمكن أن تحقق منجزات نوعية، لأنها أفكار لم تلحظ الظروف والمعطيات القائمة، وإنما هي نتاج ردود الأفعال لما وصلت إليه بعض دول الربيع العربي.

فالتعامل مع أغلبية المسلمين بوصفهم طائفة، هو أحد الجذور الأساسية للكثير من الأخطاء والرهانات الخاسرة التي وقعت فيها جماعات الإسلام السياسي.

كما أن الاندماج مع مشروعات الانقسام الطائفي، تلقي بظلها الثقيل على خيارات هذه الجماعات، فتتحول على المستوى الفعلي من جماعات اعتدال ووسطية، إلى جماعات تراهن على الجماعات المتطرفة وتعمل على مساندتها سياسيا ، لاقتناص مكاسبها وتوظيفها حزبيا بما يخدم التطلعات السياسية لهذه الجماعات.
&