&مداخيل الدولة في نيجيريا تتدفق من خزائن شركات النفط. ومن الممكن مكافأة الولاء بسرعة، أما المعارضة فتُشترى عادةً، لكن مشكلة «بوكو حرام» تكمن في أن الدولة تعجز عن شرائها.

&

&

&Richard Dowden

&

&

في أي بقعة من العالم تتجاهل الصحف العالمية اختفاء أكثر من 240 طالبة مدرسة طوال أسبوعين تقريباً؟ الجواب: في ولاية بورنو شمال شرق نيجيريا. ولكن لو ماتت تلك الفتيات في تحطم طائرة أو غرق عبارة في أي مكان حول العالم لتصدر هذا الخبر نشرات الأخبار، واحتل الصفحات الأولى في الصحف في اليوم عينه.


إذن، لمَ لم يحدث ذلك؟ لأن شمال شرق نيجيريا يُعتبر إحدى أبرز المناطق المهملة التي غاب عنها حكم القانون والتي قلما تُزار على وجه الأرض.
تقع هذه المنطقة في الزاوية اليمنى العليا من نيجيريا وتحد تشاد والنيجر. ومن المستبعد أن تعبرها، إلا إذا كنت متوجهاً إلى الصحراء الكبرى. تعاني هذه المنطقة الجفاف والحر وبالكاد تنتج من الطعام ما يكفي سكانها الذين ينمون عدداً بسرعة كبيرة. تفتقر هذه المنطقة أيضاً إلى الوظائف والتعليم فيها في وضع مزرٍ، فعندما خضع أساتذة التعليم الابتدائي في المنطقة أخيراً لامتحان انتهاء المرحلة الابتدائية، رسب أكثر من ثلثيهم.
بعدما انتشر خبر خطف الفتيات من مدرسة داخلية في تشيبوك، بدأ الناس يسألون الحكومة النيجيرية بشأن هذه الحادثة. لكن الرئيس غودلاك جوناثان لم يفهم، على ما يبدو، سبب كل هذه الضجة. ففي حين وصف متحدث باسم الرئيس الأميركي في واشنطن هذه الحادثة بـ"الشائنة"، اكتفى الرئيس جوناثان باعتبارها "مؤسفة". وقد صُوّر لاحقاً وهو يزور إحدى ضحايا "بوكو حرام" (مجموعة إسلامية مقاتلة أعلنت مسؤوليتها عن عملية خطف التلميذات)، فظهر في الصورة وهو ينظر بعيداً ويده في جيبه. وعندما تسنت لإحدى الأمهات فرصة لقاء زوجة الرئيس لتشتكي من أن الحكومة لا تبذل مجهوداً كافياً، اعتُقلت في الحال.
يفسر رد الفعل اللامبالي هذا في جزء منه نجاح "بوكو حرام" المتزايد. تأسست هذه المجموعة الإسلامية قبل 12 سنة، لكن الشرطة ألقت القبض على زعيمها آنذاك محمد يوسف وقتلته خلال اعتقاله عام 2009. فهرب أتباعه عبر الحدود إلى النيجر، حيث التقوا، حسب ما قيل لي، ناشطي تنظيم "القاعدة" الذين مدوهم بالمال ودربوهم على صنع المتفجرات.
شنت هذه الحركة في الحال اعتداءات بسيارات مفخخة في العاصمة أبوجا. ففجّر انتحاري سيارته (تعصّب ما كان مألوفاً سابقاً في نيجيريا التي تركز كل اهتمامها على المال) في مقر للشرطة. وقتل آخر 23 شخصاً في مقر تابع للأمم المتحدة في العاصمة عينها. ومنذ ذلك الحين، نفّذ ناشطو "بوكو حرام" عمليات اغتيال على دراجات نارية، وفجروا قنابل في الأسواق، وهاجموا كنائس. وفي يوم واحد عام 2012 في كانو، قتلوا 135 شخصاً. وهكذا تكون حصيلة ضحاياهم الإجمالية قد فاقت الألفي قتيل.
يُعتبر أحد أسباب نجاح "بوكو حرام" الأخرى أكثر ارتباطاً بالشأن الداخلي النيجيري. فقد بدأ سياسيون ومسؤولون عسكريون محليون الاتصال بـ"بوكو حرام" والتعامل معها. على سبيل المثال، تفيد بعض التقارير العالية المصداقية بأن بعض كبار أعضاء الجيش النيجيري نقلوا سلاحاً إلى "بوكو حرام" بواسطة مروحية.


من الممكن استئجار خدمات العصابات النيجيرية أو شراؤها. هل تذكرون تلك العصابات في دلتا النيجر قبل بضع سنوات حين راح أعضاؤها يتنقلون بقوارب سريعة ويتباهون ببنادقهم الرشاشة الثقيلة وأجسامهم الملفوفة بالرصاص؟ أنهى غودلاك جوناثان هذه الانتفاضة بشرائه المقاتلين، مانحاً إياهم وظائف في فريق العمل الرئاسي في أبوجا. وهكذا عمّ الهدوء الدلتا.
لكن "بوكو حرام" تتبع أجندة أكبر تستند إلى عقيدتها الدينية. بالإضافة إلى ذلك، نفّرت تكتيكات الجيش النيجيري العنيفة السكان المحليين، الذين كان من الممكن أن يساعدوه بمده بالمعلومات عن هذه المجموعة. أخبرني نيجيري من مايدوغوري تحدثت إليه أن المداهمة التقليدية التي تنفذها القوة الخاصة تشمل تمشيط منطقة وجمع كل الشبان فيها وضربهم، حتى قتل بعض منهم. ثم تقوم هذه القوة بتفتيش كل البيوت، سارقةً ما يحلو لها.
من الجيد أن هذه القوة الخاصة قد حُلّت واستُبدلت بفرقة أنشئت أخيراً من الجيش، ولكن لم ترد تقارير عن أي نجاح يُحقَّق في العثور على الفتيات أو مخيمات "بوكو حرام". كذلك لاتزال مواكب آليات ودرجات هذه المجموعة تعبر الشوارع بسرعة وبكل وضوح.


اعتُبرت نيجيريا أخيراً أنها تتمتع بالاقتصاد الأكبر في إفريقيا. ولديها أيضاً عدد السكان الأكبر الذي يُقدّر بنحو 170 مليوناً. لكن معظمهم يعيشون في الفقر لأن مداخيل الحكومة تأتي من النفط، الذي يستفيد منه قليلون، علماً بأن هؤلاء لا يعملون ولا يدفعون ضرائب. فمداخيل الدولة تتدفق من خزائن شركات النفط، ومن الممكن مكافأة الولاء بسرعة، أما المعارضة فتُشترى عادةً، لكن مشكلة "بوكو حرام" تكمن في أن الدولة تعجز عن شرائها.
تبقى المشكلة الأكثر إلحاحاً التي يواجهها الرئيس وزوجته إعادة انتخابه السنة المقبلة. ومع اختفاء نحو 20 مليار دولار من حساب النفط، حسب ما أشار حاكم المصرف المركزي الذي طُرد من منصبه، لاميدو سانوسي، من الواضح، في رأي البعض، أن جوناثان يحتاج إلى كمية كبيرة من المال ليجتاز هذه المرحلة الدقيقة. ولكنه بترشحه مجدداً ينتهك اتفاقاً غير مكتوب اعتُمد بعد سنوات من حكم جنرالات الشمال العسكري. يقضي هذا الاتفاق بتداول الرئاسة بين الشمال والجنوب، وبعدم بقاء الرئيس في منصبه لأكثر من ولايتين مدة كل منهما خمس سنوات. على سبيل المثال، حل محل الرئيس الجنوبي أولوسيغون أوباسانغو عمر يارادوا من الشمال عام 2007. لكن هذا الأخير مات وهو في سدة الرئاسة، فأنهى نائبه، جوناثان من الجنوب، ولايته وترشح للرئاسة في السنة التالية. ويريد الترشح مجدداً اليوم. ولكن هل حظي بولاية واحدة أم ولايتين؟
إذا أصر جوناثان على موقفه وفاز، فسيشعر الشمال بالمزيد من الحرمان والإهمال. ولاشك في أن "بوكو حرام" ستحظى بمكافأة كبيرة. لا يعني ذلك أن الرئيس الشمالي يستطيع وقفها، إلا أن الرئيس الشمالي المسلم يستطيع أن يطمئن الشعب الذي يصغي إليه، ويحميه، ويهتم به أكثر من رئيس جنوبي مسيحي من الدلتا يُعتبر أضعف رئيس حكم نيجيريا حتى اليوم.
&