&

أمينة أبوشهاب


فوز المرشح عبدالفتاح السيسي في الانتخابات المصرية في اليومين المقبلين سيكون أكبر من أي عامل آخر، بفعل قوة تصديق شعب الغلابة والفقراء لبرنامجه الوطني، وبالتالي تصويتهم المضمون والمتوقع له .
هنالك أيضاً، من دون شك، شرائح لا يستهان بها من الطبقة الوسطى تدعم السيسي وترى فيه "المخلص" الوطني، مثلها مثل الفقراء، وذلك على مستويات عدة سياسية واجتماعية، خاصة وأنه قد رسم طريقاً مختلفاً للبلد وملائماً للطبقة الوسطى وذلك بالقضاء على السيطرة الإخوانية بآفاتها الضيقة .
ومع كل ذلك، يبقى الفقراء والمعدومون هم جمهور السيسي الحقيقي ومن تطرق كلماته ومفرداته وتعبيراته الشعبية وإيماءات لغة الجسد لديه آذانهم وتحرك تفاعلهم وذلك لتصل إلى أفئدتهم ومشاعرهم .
لقد حرص السيسي في كل أحاديثه ولقاءاته على إيقاظ أحلام المصريين البسطاء وإلهاب توقعاتهم وتوقهم للتغيير بالحديث عن ميلاد جديد لمصر أخرى مختلفة، تجتمع فيها قوة الدولة مع حداثتها ونصيب الفقراء من عدالتها ومحاربتها للعوز والفقر .
من الواضح أن السيسي وهو في الأصل ابن الحي الشعبي

الفقير، يعمل بوعي كامل على ذلك الصدى الذي تخلقه لغته المنتقاة جيداً بين الغلابة من أبناء شعب مصر والذين هم في الواقع أغلبيته الكاثرة الباسمة، ولهذا، فهو يباشر حق الصلة بهذه الطبقة وحق مخاطبتها بما فيه مصلحة البلد، كما يقول، وذلك حين يدعوها بشكل متكرر إلى الخروج للتصويت بأرقام قياسية وحاسمة (50 مليوناً مثلاً!) .
ومادام هؤلاء بملايينهم الكثيرة هم الذين سيأتون به إلى الحكم وبشكل ديمقراطي في تظاهرة قوة أمام العالم (كما أراد وكما خاطبهم بذلك)، فإن هنالك علاقة حتمية تترتب على ذلك ويفترض بناؤها هنا بين السيسي الرئيس القادم وطبقة الغلابة .
وليست هذه العلاقة هي لرفع حالة العوز والكفاف والظلم بإرساء نظام جديد من عدالة التوزيع والحياة الكريمة لهؤلاء فحسب، وإنما كذلك لنجاح مشروع السيسي الوطني للحفاظ على مصر الدولة وضمان أمنها ولتأسيسها من جديد كدولة إقليمية أولى وفاعلة .
مشروع الإخوان قبل السيسي لحكم مصر كان هو "نهضة" مصر الذي خلا من أي برنامج إصلاح لوضع الفقر وتغيير حال المعدمين والمهمشين الذين كانت إدامة فقرهم والاستفادة من حاجتهم إحدى أهم ملامح "البزنس" للجماعة . ولو كان الإخوان امتلكوا مشروعاً يستهدف الفقراء لكان من المؤكد أن ذلك المشروع سيكون مانعاً من سقوطهم السريع .
لا شك أن السيسي يدرك أن عبدالناصر قد نجح في إقامة دولة مصرية قوية مهابة الجانب على المستويين الإقليمي والعالمي بسبب من كسبه داخلياً للفقراء الذين نهض بهم كطبقة وسخر جهودهم لبناء قدرات مصر . ولم يكن لمصر في زمن عبدالناصر أن تقف مواقفها السياسية المعروفة إلا بإقرار حقوق طبقاتها المحرومة وإنصافها .
إن الحفاظ على مصر الدولة وأمن المجتمع مشروط بالانحياز إلى الفقراء، وأمام السيسي فرصة حقيقية لإثبات صدقيته الوطنية وكونه منفذاً لبرنامج "ثورة" لم تتحقق بعد على الأرض، وذلك بجعل الفقراء أولويته الرئيسية، فهم حلفاؤه الحقيقيون إن فعل .

&