نوال السعداوى

&


مادة جديدة اسمها «كيف نفكر «أضيفت لمناهج المدارس الابتدائية والثانوية، ومادة جديدة عن حقوق المرأة، والعلوم الانسانية هذا ملخص خبر قرأناه فى الصحف أول اغسطس الحالى.

&

وتفاءلت: هل تتغير عقيدة «الشعب الجاهل وسهولة حكمه، هل يصبح «التفكير» حقا لجميع المصريين والمصريات، ليس لقلة تحمل لقب «المفكرين» بمجلس خبراء مركز التفكير الاستراتيجى؟ هل تصبح حقوق المرأة حقا لأربعين مليون امرأة وليس لقلة بالمجلس القومى للمرأة؟ هل يصبح التفكير و«التخطيط» وليس «العشوائية أسلوبا للعمل والإنتاج من العائلة الى الدولة ورئاسة الجمهورية؟ كانوا يقولون «فلان عنده فكر» يعنى مجنون، وارتبط التخطيط بالقرارات الاشتراكية والخطة الخمسية والسد العالى وتأميم قناة السويس، وغيرها من المشروعات التى وصمت بالشيوعية، وفى تحقيق معى (فى عصر السادات) سألنى المدعى العام مستنكرا: أتؤمنين بالتخطيط؟


الفكر «الاستراتيجى الأمريكى اعتمد على التخطيط للاستيلاء على البترول منذ اكتشافه فى ثلاثينات القرن العشرين، كانت حرب فلسطين عام 1948 وإنشاء دولة اسرائيل خطوة تبعتها خطوات، أخطرها حرب الخليج الثانية (1991) قادتها الولايات المتحدة الأمريكية بجيوش 31 دولة اوروبية وعربية، منها السعودية وسوريا واليمن ومصر، التى أعطت غطاء عربيا للحرب، وأعطت الأمم المتحدة غطاء دوليا باصدار قرارها (رقم 678) باستخدام القوة، واحترقت بغداد وتم تدمير العراق بآلاف الأطنان من القنابل والصواريخ (88٫550 ألف طن) أكثر من سبعة أضعاف القنبلة الذرية الأمريكية التى دمرت هيروشيما فى نهاية الحرب العالمية الثانية.


الخطة الأمريكية قامت على تدمير العراق باسم تحرير الكويت، تمهيدا لتدمير الوحدة العربية واغراق المنطقة فى حروب لا نهائية، خطة الاستعمار «فرق تسد» فى استخدام المذاهب الدينية سلاحا لتفتيت شعوب تم تغييب عقولها بالولاء والعبودية لصاحب الجلالة الملك وفخامة الرئيس. وأدانت شعوب العالم جورج بوش المجرم الأكبر والمخطط الأذكى، وصدام حسين المجرم الأصغر العشوائى الأغبى. وسافرت وفود شعبية لبغداد وجنيف ونيويورك لمنع الحرب. كنت عضوا بالوفد النسائى العالمى، أثناء وجودنا بنيويورك طلبنا من سكرتير عام الأمم المتحدة، تقديم استقالته من منصبه لخرقه ميثاق الأمم المتحدة (بقرار 678) والكيل بمكيالين، وكانت دولة فلسطين ذات سيادة كالكويت، فلماذا لم يطرد منها الاحتلال الاسرائيلى بالقوة؟ ولماذا يسكت على عدوان اسرائيل المتكرر وتجاهلها قرارات الأمم المتحدة؟ هل لأن فلسطين تخلو من النفط؟ أم أن الاحتلال الاسرائيلى ليس «عدوانا» بل «عودة» شعب الله المختار الى الأرض الموعودة بالكتاب المقدس؟


كتبت بيدى الخطاب الذى يطالب (دى كوييار) الاستقالة، ونشر النص ضمن الوثائق بكتاب بعنوان: معركة جديدة فى قضية المرأة. تلقانى البوليس لحظة وصولى مطار القاهرة بالتفتيش والتحقيق. وبعد ساعات طويلة مرهقة لم يجدوا معى إلا ملابسى وحذائى الكاوتش، ونسخة من الخطاب بخط يدى، قبض عليه رئيس البوليس بأصابعه الطويلة بالأظافر المشذبة، قامته ممشوقة، شعره أسود غزير، ملامحه مصرية وسيمة، يشبه ابى لولا نظرته العدائية، وصوته من أنفه يسألنى بغلظة: ما علاقة قضية المرأة المصرية بحرب الخليج؟


لم أبخل بالاجابة رغم التعب والغضب: المرأة نصف المجتمع ولا يمكن تحريرها فى بلاد غير محررة، كيف يخضع الرئيس (مبارك) لجورج بوش ويعطى غطاء عربيا للحرب؟ كيف يرسل الجنود المصريين ليقتلوا بالعراق فى الصفوف الأمامية قبل الجنود الأمريكيين والأوروبيين؟ سوف تدفع مصر، شعبا وحكومة رجالا ونساء ، ثمنا باهظا مقابل هذه الجريمة. وقال رجل البوليس: صدام حسين فتح الباب أمام الأمريكان قالت: صدام حسين دكتاتور ومجرم يقتل الآلاف من شعبه فقط، لكن جورج بوش أشد دكتاتورية واجراما يقتل الملايين من شعوب العالم. وهز رجل البوليس رأسه بشعره الأسود ونظرته العدوانية وصاح»: لا أوافقك.


الصدف الغريبة، أننى بعد ثلاثة وعشرين عاما، ألتقى به منذ يومين فقط، الرجل البوليسى ذاته، يتمشى على شاطئ البحر، راحت الوسامة وتقوس ظهره، تلاشى شعر رأسه بالكامل فى صلعة ضخمة، بدا متهدلا مكتئبا، لم أتعرف عليه، لكنه أقبل نحوى مبتسما وصافحنى قائلا: اليوم فقط أوافقك.


فكرت فى مكالمة وزير التعليم، لأعرف تفاصيل المادة الجديدة بعنوان «كيف نفكر؟» والمادة الجديدة عن حقوق المرأة، لكننى لم اعرف رقمه، فهل يتصل بى عن طريق الأهرام؟

&