عبدالله العوضي

هُناك حربان قائمتان على قدم وساق، الأولى في سوريا والعراق ولبنان بطلها الظاهري «داعش» وحرب أخرى مستعرة على «غزة» قادتها «حماس» الحركة ضد إسرائيل «الدولة»، وفي ميزان مقلوب بحاجة إلى كثير من إعادة نظر قبل أن تتحول غزة محرقة للأبرياء في كلتا الحربين الراية المرفوعة لدى «داعش» الإسلام الأصولي الذي يتخذ من إرهاب الإنسان المسالم سلاحاً ذا حد واحد، والراية الأخرى لدى «حماس» هي الإسلام السياسي، وكلتا الرايتين لا تمتان إلى الإسلام الحنيف بصلة، إلا أنهما ستار لمآرب أخرى وعلى رأسها الانقضاض على السلطات القائمة بدعاوى الظلم والجور والفساد، وكأن ما يقوم به «داعش» وأمثاله من قطع للرؤوس وبتر للأيادي والأرجل وتشويه لخلق الله كما تفعل الشياطين، هو قمة العدل والإحسان!

فالخاسر بين هاتين الرايتين هو الإسلام في صورته الناصعة وكل من يريد تشويه هذا الدين السمح، سواء كان في الغرب أو الشرق هو الذي يريد إظهار هذا الدين الإسلامي في أبشع صورة وأقبح وجه حتى ينفر الناس منه، سواء من أهل الإسلام أو حتى من المِلل الأخرى


لابد أولاً من النظر إلى أن الإسلام الحق هو أكبر شأناً من ترهات رافعي الرايات الخادعة وإن كانت براقة، فبريقها لا يدوم لأنه خاطف للأبصار في ثوان معدودات فسرعان ما يعود الظلام إليه من جديد.

إن مأساة العالم العربي والإسلامي في هذه الأيام العصيبة تكمن في لهاث بعض أبنائه وراء أسماء براقة للحظات، ما أن يلامسها حتى يحترق بلظاها وقد يحسبها المخدوعون نوراً يسعى بين أيديهم إلا أن واقع هؤلاء لا ينطق إلا بمزيد من الخراب لأوطانهم وأناسهم ومشاريعهم الاقتصادية والاجتماعية.

يقرأ البعض عن «داعش» وكأنه الفاتح الأعظم للممالك والأمصار وقد ادعت «القاعدة» في يوم ما تحرير القدس من مساجد كابول وقد جاء اليوم الذي تحتاج مساجد كابول للحماية من جور «طالبان» ومن قوى تنهج نهجها وإن غيرت أسماءها وعناوينها وأشكالها لدواعي الترويج والتسويق والتضليل ليس إلا.

إن حضارة الإسلام الباهرة تتعرض إلى نكسات تلو أخرى على أيدي أناس خرجوا من عباءة الإسلام إلى نهج آخر لم نعرف من خلاله غير الدمار وكراهية الإعمار والدفع بالشباب المغرر بهم نحو هاوية الموت وهواية القتل بلا مبرر، فكل من يخالف هذا الطرح وإن كان منهم بعد فوات الأوان فمصيره الموت على أيدي من بايعهم واغتر بخداع بريقهم الأولي، إنه فخ الإرهاب والأصولية المنكرة في هذا الزمن الذي ضاعت فيه بوصلة التوجيه وخطفت من أيدي أصحابها الحقيقيين.

إن الحروب المشتعلة اليوم في معظم بقاع الأمة العربية والإسلامية باسم إعادة «الخلافة الإسلامية» إلى سابق عهدها جزء من أجندة تدميرية يراد بها أن تطال البقية الباقية من سبل الأمن والاستقرار في المنطقة.

ما أسهل دغدغة المشاعر والعواطف بكلمات رنانة وطنانة وسط بسطاء المسلمين الذين لا تزال فطرهم صافية من الخرافات الأصولية المشوّهة لتلك الفطر السليمة والقادرة على تحويلها إلى قنابل موقوتة في الأراضي المتحركة تحت أرجل الأصوليين ومروجي الإسلام السياسي الذين لا يمكن الوقوف إزاءهم بمجرد الدهشة والتعجب والاستغراب من انحرافهم وغيّهم أو حتى كتمان ما يجب أن يُقال حيالهم، إن هذه المواقف السلبية فتنة أخرى تضاف إلى ما يعانيه الإسلام من ظلم أبنائه.

إننا بحاجة إلى كلمة سواء من جميع عقلاء وحكماء الأمة العربية والإسلامية في هذا الظرف الاستثنائي من حياة الشعوب التي يراد أن تقام بها أفران المحارق كما أقام هتلر ذلك لليهود، ولكن في عالمنا بيد حركات وتنظيمات وأحزاب حارقة لكل مكتسبات الأمة، وخارقة لكل مبادئ الإسلام والأخلاق والقوانين والأعراف الدولية المعتبرة.
&