سلطان العامر
أعلنت الأمم المتحدة أن عدد القتلى في الأزمة السوريّة (مدنيين وعسكريين من جميع الأطراف) وصل إلى ١٩١ ألفاً، وأن عدد اللاجئين خارج سورية المسجلين وصل إلى ٣ ملايين لاجئ، بينما وصل عدد المشردين داخل سورية إلى ستة ملايين ونصف المليون، أي أن السوريين أصبحوا الآن في المرتبة الأولى من حيث عدد اللاجئين عالمياً.
&
هذه التكاليف المأسوية تعد بجذورها لأزمة انطلقت شرارتها قبل ثلاث سنوات.
&
فضمن سياق «الربيع العربي»، خرجت مظاهرات سلمية في سورية تطالب بشار الأسد بالإصلاح، ولمّا قمعت، سلكت طريق المطالبة بإسقاط النظام، فأعلن بشار الحرب عليها. لماذا لم ينصت الرئيس السوري لمطالب شعبه ويجنّب بلاده هذه الحال المأسوية؟ السبب- وبحسب الرواية الرسمية للنظام- أن هذه ليست ثورة، بل مؤامرة.
&
قبل أن يصل «الربيع العربي» إلى سورية أجرت «وول ستريت جورنال» لقاء مع بشار الأسد، ووضح فيه أن سبب «استقرار سورية» هو أنها في سياساتها كانت دوماً «قريبة ومرتبطة من عقائد الناس». طبيعي لمن يعتقد بأن سياساته هي بالضرورة تعبير عن عقائد شعبه، أن يستنتج أن أي انتفاضة ضده هي ليست شيئاً سوى «مؤامرة».
&
ولهذا وصف في خطابه في ٣٠ آذار (مارس)٢٠١١، - أي بعد شهر واحد من اعتقال أطفال درعا وبعد أسبوعين من جمعة الكرامة - ما يحدث بأن «سورية تتعرض لمؤامرة كبيرة خيوطها تمتد من دول بعيدة إلى دول قريبة»، وأنها جزء من «مخطط إسرائيلي». وملخص الرواية: أن أميركا ومن معها من الدول يعاقب نظام الأسد بسبب دعمه للمقاومة وسياساته المستقلة.
&
أما في خطابه في جامعة دمشق في كانون الثاني (يناير) ٢٠١٢، فقد وصفها بـ«معركة غير مسبوقة في تاريخ سورية الحديث»، وأنها «مخططات خارجية».
&
في هذا الخطاب سخر الأسد من الذين يتاجرون بسيادتهم، وأكد أن سياساته كلها إنما هي من أجل حماية «السيادة السورية». واعتبر ما يجري استمراراً لمخطط عمره عشرات السنوات يحلم من خلاله «أحفاد سايكس بيكو» بـ«التقسيم». واعتبر أن هزيمة سورية في هذه المعركة، هي «هزيمة الصمود والمقاومة»، وأن هذه الهزيمة لن تعني سوى «سقوط المنطقة كلياً بيد القوى الكبرى».
&
بعد ذلك بخمسة أشهر -أي في حزيران (يونيو) ٢٠١٢- وفي خطاب أمام مجلس الشعب المشكل حديثاً بعد مسرحية انتخابية، قال: «بعد سنة ونيف تتضح الأمور وتنزع الأقنعة، فالدور الدولي فيما يحصل معرى أساساً منذ عقود بل قرون مضت، ولم يتغير ولا أراه متغيراً في المدى المنظور، الاستعمار يبقى استعماراً، تتغير الأساليب والوجوه».
&
نستطيع أن نستمر إلى الأبد في جمع الاقتباسات التي تبيّن أن بشار الأسد برر المعركة التي يخوضها بكل تكاليفها بأنها كانت معركة ضد القوى العظمى والاستعمارية، ضد «أحفاد سايكس بيكو» كما يسميهم.
&
هذا كله يتبخر بعد الـ15 من آب (أغسطس) الماضي عندما أعلن مجلس الأمن قرار ضمن الفصل السابع ضد «داعش».
&
فعلى الفور، سارع سفير سورية في الأمم المتحدة على القول إن «سورية تعتبر شريكاً أساسياً في الحرب على الإرهاب»، أما وليد المعلم، الذي قال يوماً: «إن من يعتقد بأن أميركا توقفت أو ستتوقف عن التآمر على سورية فهو واهم»، عقد مؤتمراً صحافياً وضّح فيه استعداده للتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية في ضرب الإرهابيين داخل سورية، فقال: «نحن جاهزون للتنسيق والتعاون؛ لأننا نحن أبناء الأرض، ونعرف كيف تكون الغارة مجدية... لذلك من يريد العدوان على سورية لا يوجد لديه مبرر إلا بالتنسيق معنا إذا كان راغباً في مكافحة الإرهاب، وأي شيء خارج عن ذلك فهو عدوان».
&
بلغة أخرى، ما يريد قوله المعلم للغرب: تريدون أن تقصفوا غيرنا بسورية، فسنساعدكم، أما إن قصفتمونا فهذا هو العدوان.
&
إنها نهاية بائسة لخطاب المقاومة والصدوم والمؤامرة.
&
في الـ26 من الشهر الجاري، وافق أوباما على إطلاق مُسيرات استخباراتية فوق الأراضي السورية، ولا نعلم أكانت هذه بتنسيق مع النظام الممانع أم لا؟
&
أما من الناحية الأميركية، التي لا تقل نفاقاً عن الأسد، فقد بدأنا نسمع حديثاً متكرراً نجد ملخصه في كلمات ريان كروكر، السفير الأميركي الأسبق لسورية، حيث قال: «أنَا لا أدافع عن نظام الأسد، لكن بالنسبة إلى أمننا فإن الدولة الإسلامية (داعش) هي أخطر بشكل لا مقارنة فيه». إلا أن الرئيس أوباما وضّح أن بلاده «حتى الآن، لا تملك استراتيجية» حول كيفية معالجة قصف سورية.
&
إنها حالة بائسة هذه التي أصبح موضوع قصف البلدان العربية معلقاً على مدى توافر استراتيجية لدى الدول الغربية.
&
إن مهمة مواجهة التهديد الذي تمثله الحركات الجهادية في العراق والشام لا تكون عبر فتح البلدان للتدخل الخارجي، بأن يتحمل النظام العربي الإقليمي مسؤولياته، فغياب هذه المسؤوليات وترحيلها للأجنبي هو الوقود الذي تتغذى منه هذه الحركات وتشرع لنفسها من خلاله.
&
أما بالنسبة إلى نظام الأسد، فأصدق ما يمكن أن يقال فيه هو مطلع قصيدة منسوبة لأحمد مطر يقول فيها: «مقاوم بالثرثرة، ممانع بالثرثرة، له لسان مدَّعٍ، يصول في شوارع الشام كسيف عنترة، يكاد يلتف على الجولان والقنيطرة، مقاوم لم يرفع السلاح، لم يرسل إلى جولانه دبابة أو طائرة، لم يطلق النار على العدو، لكن حينما تكلم الشعب، صحا من نومه، وصاح في شعبه: مؤامرة... مؤامرة».
&
التعليقات