جاسر الجاسر

عملياً تبدو إيران من داخلها كأنها مادة تاريخ أكثر من كونها واقعاً فعلياً وشعباً حياً، فهي معتمة كلياً من الداخل، وكأن الشمس لا تمر بها.

&

لا يظهر اسم إيران إلا عبر استعراضاتها العسكرية، وملفها النووي، وتهديداتها المستمرة للمنطقة، وتدخلها في شؤون الجوار، وعملياتها العسكرية الغامضة في سورية والعراق، أما الداخل الإيراني فلا حديث عنه كأنه مُنْبتّ عن العالم ولا يدخل في حدوده.

&

الخطاب الإيراني الكثيف والمتعدد المستويات لا يتوقف عن استعراض قوته وتهديد الآخرين، أما ماذا يحدث في الداخل، وماذا تحقق للشعب، وكيفية إدارة الاقتصاد، ومواجهة التضخم البالغ نحو 35 في المئة، وانهيار عملتها وتزايد البطالة والجريمة والفساد ومدى تذمر الشعب أو رضاه، فهو سر مطبق لا يقل غموضاً عن الملف النووي.

&

تبدو إيران لمحيطها القريب أقرب إلى المغول، إذ ينحصر كل جهدها في محاولات اختراق الأنظمة وبناء الميليشيات في سورية والعراق ولبنان واليمن والترابط الوثيق مع «حماس». كل نجومها هم عسكرها الذين يقودون عمليات حربية في العراق وسورية، وكل رسائلها أنها حققت حلم الخميني بنشر الثورة الإيرانية، وأن عام 2015 سيبرهن حضورها ومدى سطوتها، وفق تصريحات نائب قائد الحرس الثوري الإيراني، الذي اعتبر أن ما يحدث في المنطقة يصب في مصلحة إيران وأن لديها جيوشاً شعبية في دول عربية يبلغ حجمها أضعاف حزب الله في لبنان.

&

إيران بيت مصمت من الداخل لا يظهر منه سوى الصوت الصاخب تتحرك كأنها بلا جذور كأنها «داعش» لا يظهر منها سوى ما تريد نشره وتوزيعه ولا يعرف الآخرون حقيقة الوضع داخلها. في كلتا الحالتين الصورة المتكررة هي للمسلحين والأسلحة. الدعاية المشتركة أنهما بيتان للرضا الاجتماعي وإنكار كل المشكلات والنزعة المتزايدة لإرهاب الآخرين وتهديد حياتهم.

&

تتشابه مع كوريا الشمالية في السباق النووي، وتجيّر كل طاقاتها للاستعراض والتهديد بالحرب وإن هلك الشعب جوعاً ومات اختناقاً، إلا أنها أكثر غموضاً وسرية في صفحتها الاجتماعية.

&

لا معلومات فعلية عن الداخل الإيراني باستثناء تعليقات متضاربة لمعارضين مقيمين في الخارج تمثل رغبات وأماني أكثر منها معلومات.

&

هذه السنة ستكون مفصلية للجهد التوسعي الإيراني، فهي تحمل مشكلات كثيرة بينما اقتصادها يتراجع، فالنفط إلى هبوط والإنفاق العسكري يستهلك حصة التعليم والغذاء والدواء والفساد مؤسسة متكاملة برعاية تشكيلات الحرس الثوري وسطوته على كل المفاصل، ولابد أن تنكفئ إيران إلى الداخل أو تهمله من أجل نشوة الهيمنة الخارجية.

&

إيران اليوم، في كثير من تفاصيلها أقرب إلى وضع الشاه قبل قيام الثورة، علماً بأن ما أسقط الشاه هو الفساد واحتقان الناس، فهل الذين ثاروا عام 79 راضون عن الحالة اليوم؟ وهل هم فعلاً يشعرون بالفخر نتيجة سياسات بلدهم؟ ويرتضون الجوع والقمع استمتاعاً بهذه النشوة؟

&

الداخل الإيراني مفقود ومطموس، لكن الصمت لا يعني الغياب، فالرمال المتحركة لا تنشط إلا حين اكتمال شبكتها وحينها لن ينفع طهران جيوشها المنتشرة في الخارج كما هو حال الشاه حين توهم أن الغرب سيحميه من شعبه!

&

الداخل هو بوابة القوة والخارج ثقوب في السفينة يؤدي إلى غرقها!
&