محمد علي فرحات

تنظيم دخول السوريين الى لبنان وخروجهم منه، تسبب بالتباس قانوني حين أوردت وكالات الأنباء فرض الحكومة اللبنانية حصول السوريين على «فيزا» من نقاط الحدود بين البلدين، وعزز الالتباس إطلاق الأمن العام اللبناني تعبير «تأشيرة» (ويعني عادة «فيزا») لوصف الإجراءات الجديدة التي تنظم عبور السوريين.

&ارتباك شكلي يشير الى ارتباك موضوعي لدى الطرفين السوري واللبناني، تجاه اجراءات يمكن اعتبارها الاهتزاز الأول للعلاقات بين بيروت ودمشق، منذ انطلاقة الثورة السورية وتحول معظمها الى تنظيمات مسلحة.

&ولوحظ انخفاض كبير في عدد السوريين القادمين الى لبنان نتيجة الاجراءات الجديدة، ولا يبدو ان استيعابهم إياها سيرفع أعدادهم الى ما كانت عليه.

&وشكلت الاجراءات نقطة لقاء طرفين لا يلتقيان، هما النظام السوري معبراً عنه بتصريحات سفيره في بيروت والثورة السورية معبراً عنها بـ «الائتلاف»، إذ عارض الطرفان الإجراءات، فلمّح السفير علي عبدالكريم علي الى امكان منع دمشق عبور الشاحنات من لبنان الى الخليج عبر معبر نصيب (يحظى أيضاً بتسهيل من المعارضة المسلحة)، وألقى غير عضو قيادي في «الائتلاف» باللائمة على «حزب الله» في القرار الحكومي اللبناني تنظيم دخول السوريين، قائلاً إن «الائتلاف» سيطلب من دول الجوار الضغط على لبنان لإلغاء الإجراءات الجديدة: اعتراض فولكلوري، لأن الأردن وتركيا لن يطلبا من لبنان الغاء اجراءات يقومان بمثلها وربما أشدّ منها.

&الأمور سائرة الى مزيد من التأزم، والوارد الى الآن، وعلى الأقل، ان دمشق لن تتعاون مع بيروت في حل قضية العسكريين المخطوفين التي قد تتطلب اطلاق معارضين من سجون النظام في مقابل حرية العسكريين اللبنانيين. هكذا يحصد لبنان الثمار المرّة لعلاقة قسم من قياداته مع النظام السوري وقسم آخر مع المعارضة، فيما الطرفان السوريان المتصارعان يلتقيان على إضعاف الدولة اللبنانية وأجهزتها، ويتفاهمان ضمناً على حفظ الحد الأدنى من الأمن اللبناني ليتاح لهما الاستفادة من الوطن الصغير كمنصة للتواصل مع العالم.

&والواقع ان الإجراءات الجديدة تضر بالسوريين الموالين والمحايدين أكثر مما تضر بالمعارضين، وتلحق الضرر أيضاً بمصالح سكان المناطق الحدودية من اللبنانيين والسوريين الذين يعبرون يومياً لتأمين مصالحهم.

&مزيد من التأزم في العلاقات، على رغم محدودية الكلام على القضية في لبنان في أجواء حوار قوى سياسية رئيسية، إذ تمتنع هذه القوى عن الخوض في قضية خلافية قد تعقد الحوار. وحده السفير السوري أعلن معارضته وشاركته الموقف شخصيات صديقة لدمشق وكتّاب موالون لخطها السياسي.

&انها محطة جديدة لتأكيد لقاء النظام والمعارضة في سورية على الحد من استقلال القرار اللبناني، ليس السياسي فقط بل الإداري أيضاً. لكن لقاء الطرفين اللدودين لن يوصلهما الى استعداء الإدارة اللبنانية في هذا الوقت بالذات، فبيروت لا تزال رئة أساسية للطرفين أكثر من عمّان وأنقرة.

&تنظيم دخول السوريين يعتبر خطوة استقلالية تقوم بها الحكومة الائتلافية (بين 8 و14 آذار)، لكنها تحتاج مزيداً من الوضوح يحفظ الحقوق الإنسانية للسوريين، ومزيداً من الشفافية أمام لبنانيين لا يعرفون حقاً ما إذا كانت حكومتهم تملك احصاءات لأعداد السوريين اللاجئين والزائرين والعابرين، أو أنها تخفيها لسبب أو آخر.
&