سمير عطا الله

أكتفي من متابعة شؤون اليمن بقراءة السفير مصطفى أحمد النعمان. وقد تعرّفنا إلى اليمن من قبل من خلال «الأستاذ» أحمد النعمان، والده، الذي تألّق به هذا اللقب، قامة وأدبا ومعرفة وحضورا عاليا. ومن سوء الحظ أن تتعرّف إلى السياسة اليمنية من خلال أحمد النعمان، أو محسن العيني، أو محمد سعيد العطار، أو عبد الله الأشطل، أو عبد الكريم الإرياني، لأن السياسة اليمنية، ليست كذلك.


ومنذ أن خرجت من عهدة الأساتذة إلى عهدة المشيرين، والانقلابات والثكنات توقف نمو اليمن في اتجاه قائمة الدول الصاعدة. ومن أجل تحقيق شرعيتها الهشة، عمدت الأنظمة العسكرية إلى ترسيخ نفوذ القبائل، ووسعت الفرقة فيما بينها، ولعبت على أوتار المحسوبية، كما فعل القذافي في ليبيا وهو يرفع شعار ثورة الفاتح. ومثله كان شعار ثورة 26 سبتمبر (أيلول): القائد وأبناؤه في الحكم، والناس لها الكتاب الأخضر.


لا يغير شيئا من واقع اليمن في نصف قرن أنه لم يكن أسوأ أو أفضل من سواه. وفرة مواليد وطفرة بطالة. أجيال جديدة لا مدارس لها، وأجيال قديمة لا مستشفيات لها ولا دخل ولا تعويض ولا عزاء. لكن الثورة كانت بخير والحمد لله. والسيد القائد المشير يلقي الخطب دون إخلال في الموعد. والمشير (مارشال)، رتبة عسكرية تعطى في دول العالم لمن ينتصر على أعدائه.


عندما وصل الربيع العربي إلى صنعاء لم يعرف من أي بوابة يدخل. فالمشير لم تنتهِ ولايته بعد، خصوصا أنه صفَّر العداد وقال لليمنيين: يلا شباب. من أولها، مرة ثانية. تدخّل العالم برمّته لإقناعه بنهاية الولايات وفقا لجميع أنواع التقويم، بما فيها الفرعوني والأمازيغي والحبشي.


أعقبت ظاهرةَ اليد العسكرية العليا ظاهرةُ اليد الحوثية الطولى. بدأ الأمر في صعدة. ثم تصاعد. ثم تمدّد. ثم صاروا في قلب صنعاء. ثم في البنك المركزي. ثم في القصر الرئاسي، وكان الجميع يتساءل: ترى إلى ماذا يهدفون؟ خلعوا رئيس الحكومة المعيَّن، ثم خطفوا مدير مكتب الرئيس، وتعالت الأسئلة: ترى ماذا يريدون؟ الحقيقة، إنه لأمر غامض جدا. كيف يمكن لنا أن نعرف ماذا يريد الحوثيون؟ لعلهم يريدون تحويل صنعاء إلى حدائق عامة نكاية بمشاريع التخضير والتزهير والتشجير التي قامت أيام الرئيس القائد. من يدري؟ فمن الصعب أن تقرأ نواياهم، مثلهم مثل أي مبرّة خيرية تحلم لبلدها بأن يفيق ذات يوم ويرى نوافير المياه تملأ الساحات وبحيرات الري تملأ السهول.
أما إذا كانت لدى الحوثيين نوايا أخرى فإنها لم تَبِنْ بعد. ولو بانت لرآها الرئيس منصور هادي من مكتبه المجاور. وإذا ما حدث ذلك حقا، فسوف يبلغ الجميع: الحوثيون يريدون اليمن. كيف حزّرت؟