علي سعد الموسى

وأنا اليوم لا أكتب حكاية حرب بائدة منقرضة قدر ما أحاول إسقاط سببها على بعض صور أخطاء الفرد أو المسؤول في الإدارة. والقهر "بفتح الهاء" جبل تهامي من جبال "الصدُر" الشهيرة، تعود قصة الجبل وأهله إلى بدايات تكوين وتوحيد هذه الأرض الغالية المباركة عندما جاء لأهلها قاض لم يكن مدركاً للتباين الاجتماعي والثقافي فأسقط هذا الاختلاف على فهمه الديني ليرفع لمرجعه رسالة شهيرة أغضبت فئام من أهل هذا الجبل لأنها تتهمهم في أغلى ما لديهم وهو الدين والعفاف والشرف. اعتصموا ضده ثم تطورت المسألة إلى ما دونه ويعرفه رواة التاريخ فيما بعد.


رسالة القاضي، وردة الفعل هما لب الجوهر حين يطير "بالعجة" أقوام لا علاقة لهم بالأمر. هذه الرسالة تشبه كل ما يلي: تشبه فتوى طالب علم "ثورجي" من مكتبه الأثير المكيف بحتمية الجهاد لينبري للدعوة آلاف الشباب الذين يقتلون في معارك بلا راية تمزق خارطتنا العربية التي أضحت اليوم مجرد "كانتونات" لأرتال الميليشيا الشوارعية. رسالة هذا القاضي إلى مرجعه التي لم تفهم واقع الناس الذين أرسل إليهم تشبه رسائل بعض المسؤولين التي طالبت بعشرات المشافي في كل محافظة سعودية ومع الزمن تحولت هذه المستشفيات إلى مجرد مراكز رعاية رديئة شوهت مشروعنا الصحي وكان يمكن لنا استثمار كل هذه الأموال في مدن طبية عملاقة. رسالة هذا القاضي تشبه عشرات رسائل المطالبات التي قادت إلى فتح الكليات الجامعية في كل محافظة لنستقدم لها كل متردية ونطيحة للتدريس بها في أكبر عملية تلويث وتدمير لآلاف العقول النابغة، لأن "الرسالة" أنستنا ماذا تعني الجامعة وكيف تبنى وأين؟ رسالة القاضي تشبه عشرات طلبات مشاريع رؤساء البلديات والأمانات لتضع الأولوية للكباري والجسور بينما أحياؤنا تغرق في البدائية والعشوائية والإهمال وسوء النظافة. رسالة القاضي من جبل القهر القديم لا تشبه إلا آلاف الرسائل من بعده التي لم تقرأ روح المواطن ولا أولوياته ولا واقعه وتباينات ثقافته.