بينة الملحم

في أحد خطابات الرئيس الأميركي أوباما السابقة حول الأزمة السورية "وبناءً على توجيهاتي، يجري وزير الخارجية كيري مناقشات مع نظيره الروسي. ولكننا نعمل على التوضيح بأن هذا الأمر لا يمكن أن يكون تكتيكًا للمماطلة، بل ينبغي على أيّ اتفاق أن يتحقق من أن نظام الأسد وروسيا يحترمان التزاماتهما: وهذا يعني العمل على وضع الأسلحة الكيميائية السورية تحت الرقابة الدولية وتدميرها في نهاية المطاف. سوف يسمح لنا هذا بتحقيق هدفنا - ردع النظام السوري عن استخدام الأسلحة الكيميائية- "

مضى على كلام أوباما هذا سنتان تقريباً؛ ولم يتغيّر أو يحسم أي قرار ينهي الأزمة السورية أو يمضي بها نحو طريق النهاية بل مكانك سر في موقف واشنطن وإمعان من النظام السوري في إبادة شعبه وتشريده وتعقّد حلول الأزمة مع تنامي ظهور داعش وأكثر من تنظيم وجماعة إرهابية على مسرح الأزمة.

موقف واشنطن من الأزمة السورية أثبت فعلياً عجائب سياسة الحكومة الأميركية الخالية وتقهقرها عن دورها الذي لطالما كانت تحب أن تظهر به كقوة عظيمة تقود ولا تقاد تحسم ولا تتردد. أذكر أنه ومنذ بداية الثورة السورية في ٢٠١١م وعلامات الاستفهام والتعجب تدور حول موقف وسياسة أوباما؛ تارةً يهدد بضرب سورية حتى من دون موافقة الكونغرس، وتارة أخرى يحيله إليها، وتاراتٍ أخرى لا ينوي أصلاً توجيه ضربة إلى النظام السوري، هذا التنازع بين المواقف بين التصعيد والبرود، بين الوتيرة العالية والوتيرة الهادئة إنما يبين مدى التخبط لدى الإدارة الأميركية وتحديداً أوباما.

موقف أميركا المتأرجح من الأزمة السورية هو الذي مكّن لروسيا من تعاظم دورها وقد أحسنت وصفاً آنا بورشفسكايا وجيمس جيفري في مقالة تحليلية "استغل بوتين باستمرار التناقض الغربي بشأن سورية منذ بدء الانتفاضة في عام 2011. وقد أدى الفراغ الناجم عن هذا التردد إلى قيام بوتين بدس نفسه في مناقشات السلام وتقديم خطة لخدمة مصالحه الذاتية، أي: الحفاظ على الأسد في السلطة، وتنصيب الكرملين بوصفه لاعباً عالمياً لا غنى عنه، وصرف انتباه الرأي العام الروسي عن المشاكل الداخلية" بل استطاعت روسيا فوق هذا كله إيهام العالم أن النظام الذي يمارس الإرهاب ضد شعبه مكافح للإرهاب بإشراك الفصائل التي لا تطالب برحيل الأسد بتعزيز الفكرة القائلة بأن الرئيس السوري هو عنصر لا غنى عنه في محاربة "الإرهابيين" - الذين تحددهم موسكو ودمشق بأنهم يضمون أي فرد مسلح يعارض النظام.

لا شك أن التنازل عن بطولة شرطي العالم لخصم لم يكن نتيجة ضعف سوى تكتيك أو لثمن باهظ.. فهل باعت واشنطن الأزمة السورية أم هو تطبيق للمثل الإيراني الذي يقول: "لا تقتل الأفعى بيدك بل اقتلها بيد عدوك"، وفي السياسة نظرية تقابلها توريط الخصوم فيصفّي بعضُهم بعضاً؟!