سليمان حاج إبراهيم
&حراك دبلوماسي مكثف تشهده الساحة الدولية حيال سوريا، ومفاوضات عسيرة تنفذها أكثر من عاصمة تمهيدا للتوصل لتوافق لا يزال بعيد المدى حيال مستقبل البلد الذي تتنازع مصيره القوى الدولية.
دول مجلس التعاون الخليجي التي تتحرك منفردة على أكثر من مستوى ليكون لها كلمة الفصل في الموضوع، ترغب في مواجهة الأجندة الإيرانية بخصوص أي حل لا يتوافق ورغباتها ويتجاوز تطلعاتها التي أعلنت عنها ودافعت في المحافل الدولية.
وتزداد خيارات دول مجلس التعاون تقلصا مع مشاركة طهران في المحادثات التي استضافتها فيينا واعتبارها طرفا أساسيا في أي حل مع تضاد الأفكار التي يطرحها كل طرف. الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون حث المشاركين في المحادثات الدولية حول سوريا على ضرورة التوصل إلى حل سياسي للأزمة وإظهار «الليونة». وأضاف في تصريح له يعتبر سدا منيعا ضد أي تلويح باستخدام الخيار العسكري: «آمل ان يعالجوا فعلا هذه المسألة بإبداء الليونة، مهما كانت الاختلافات في وجهات النظر السياسية وفي المقاربات. عليهم أن يتوحدوا، لأنه لا حل عسكريا في سوريا». الطرح الذي أبداه الأمين العام للأمم المتحدة حيال الاعتراض على أي طرح عسكري يعزز من مقاربة روسيا التي شرعنت تدخلها في سوريا على أساس أنه موجه ضد تنظيم الدولة الإسلامية وأقرته بأمر الواقع، مع تأكيدها على دعمها الحل السياسي وستحول دون أي دور خليجي أمريكي للإطاحة بحليفها الأسد.
وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، يصنع الحدث في الفترة الأخيرة بتصريحاته ومواقفه حيال الأزمة السورية ويصنفه الجميع على أنه المناوئ الشرس لخيارات روسيا والرافض للمقاربة الإيرانية ويستميت لإفشال مخططاتهما بتأكيده على ضرورة رحيل الأسد مهما كان السبب ولو تم اللجوء إلى الخيار العسكري لإبعاده عن القصر الرئاسي في دمشق. وقال قبل لقاء فيينا أن الاجتماع هو «لبحث الحل السياسي في سوريا ومناقشة خطط خروج بشار الأسد بشكل عسكري أو سياسي».
والجبير لا يخفي دعم السعودية المستمر للمعارضة السورية على الأرض وتأمين كافة وسائل الدعم لها بما فيها تزويدها بالأسلحة والمعدات الثقيلة. حتى لو كان هذا الخيار بعيدا عن واقعية تطور الأحداث المتسارعة التي فرضت نغمة مختلفة تبديها الدول والقوى الدولية. ويأتي الدعم في توافق مع الولايات المتحدة الأمريكية التي أكدت لحليفتها على ضرورة تكثيف الجهود لمساندة ما تطلقان عليه «المعارضة السورية المعتدلة». وتلعب أمريكا على أكثر من حبل في تسييرها للملف السوري حيث أنها ترضي حلفائها الخليجيين وخصوصا السعودية بالتأكيد على ضرورة دعم المعارضة السورية وهي توقن بشكل جلي أن الحل سياسي بامتياز وسيمر حتما عبر بوابة روسيا ومن خلفها حليفة النظام إيران. الدوحة من جانبها تتركز سياستها حيال سوريا على جانبين أساسيين: دعوات لحل سياسي تتشارك في هذه النقطة مع جارتها السعودية بالتأكيد على ضرورة رحيل الأسد، وتدعم بدورها أطيافا من المعارضة السورية في صراعها ضد النظام.
فأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أكد خلال اتصال هاتفي أجراه مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما على أهمية التنسيق بين بلديهما، من أجل إيجاد حل سياسي في سوريا، وشدد على ضرورة استمرار دعم المعارضة السورية المعتدلة، ولعب دور إيجابي في محادثات فيينا. الدوحة تستخدم كافة الأوراق المتاحة في الملف السوري حيث اعتبر وزير خارجيتها خالد العطية «إن قطر لن تتردد في التدخل العسكري في سوريا إذا كان لحماية الشعب السوري من «وحشية النظام» مؤكدا أن «الدوحة لا تملك أي مصالح ولا أجندة في سوريا». وخلال لقاء خاص مع شبكة «سي أن أن» الإخبارية الأمريكية- في رده على سؤال عما إذا كانت قطر والسعودية ستقومان بالتدخل المباشر في سوريا على خلفية التدخل الروسي، قالها العطية بصراحة «أي شيء سيؤدي إلى حماية الشعب السوري ويحمي سوريا من الإنقسام لن نأل جهدا عن القيام به مع إخوتنا السعوديين والأتراك مهما كان هذا الشيء».
وأضاف «إذا كان التدخل العسكري سيحمي الشعب السوري من وحشية النظام فبالطبع سنقوم به» مبينا أن «الشعب السوري اليوم يقاتل على جبهتين، جبهة النظام وجبهة الجماعات الإرهابية، وهو يفعل ذلك منذ سنتين، وهناك الكثير من الطرق لتعزيز قوته». وتعتبر الدوحة أن مجلس الأمن الدولي لا يقوم بما فيه الكفاية بحماية الشعب السوري، لذلك حملت دول مجلس التعاون على عاتقها مهمة القيام بكل ما بوسعها لحماية الشعب السوري عبر دعم المعارضة السورية المعتدلة».
لا تزال سلطنة عمان تحاول دوما أن تكون مقاربتها في السياسات الدولية عقلانية وتسير في صمت وهي تعمل على ترسيخ الحلول السياسية العميقة المبنية على أساس عملي بعيدا عن التصريحات النارية. وتعتبر مسقط أن الأفضل للمنطقة معالجة كافة القضايا الخلافية عبر الحوار وحلول السياسة محل الدبابات والطائرات وهي تؤكد على ضرورة دعم الفرقاء السياسيين في سوريا والجلوس إلى طاولة المفاوضات من دون خلفيات مسبقة. وخلال استقبال الرئيس السوري بشار الأسد وزير الشؤون الخارجية لسلطنة عمان يوسف بن علوي في زيارة هي الأولى من نوعها وتأتي بعد سنوات من القطيعة بين دمشق والدول الخليجية، عبر الأسد خلال اللقاء عن ترحيبه بالجهود التي تبذلها سلطنة عمان لمساعدة السوريين في تحقيق تطلعاتهم بما يضع حدا لمعاناتهم من الإرهاب ويحفظ سيادة البلاد ووحدة أراضيها، مشددا على أن القضاء على الإرهاب سيسهم في نجاح أي مسار سياسي في سوريا.
وطرح المسؤول العماني خلال لقاءاته التي أجراها في دمشق وجهة نظر بلاده حول تطورات الأوضاع في المنطقة ولا سيما الحرب على الإرهاب في سوريا والأفكار المطروحة إقليميا ودوليا للمساعدة في إيجاد حل للأزمة. وشدد على حرص السلطنة على وحدة سوريا واستقرارها وهو تأكيد على نهجها في إيجاد حل ينهي الأزمة سياسيا عبر التفاوض. هذه الفرضية أكدتها وسائل الإعلام السورية التي كشفت عن مساع دبلوماسية تبذلها سلطنة عمان للتوصل لحل سياسي للصراع السوري الذي دخل عامه الخامس. زيارة بن علوي لدمشق استبقها استقبال المسؤولون في مسقط لوليد المعلم في وقت سابق في أول اختراق للقطيعة التي فرضتها دول مجلس التعاون الخليجي على رموز وأركان النظام السوري.
ولأول مرة تشارك طهران في لقاءات جنيف الموسعة التي حضرتها أطراف دولية ناقشت مستقبل الرئيس الأسد وبلاده ومآله. ولم يسبق لإيران أن شاركت مطلقاً في أي محادثات دولية حول تسوية الأزمة السورية سواء مؤتمر جنيف ـ1 الذي انعقد في 2002 وسحبت دعوتها حول حـــادثــات جنــيف ـ 2 في 2014 من قــبــل الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون على إثر اعتراض أمريكا والسعودية.
وتختلف إيران والسعودية ـ القوتان المتنازعتان في المنطقة ـ علناً في مواقفهما بشأن سوريا. فطهران تدعم النظام السوري مالياً وعسكرياً فيما تدعم السعودية فصائل المعارضة وتشارك في الضربات الجوية في إطار التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة على مواقع تنظيم «الدولية الإسلامية».
لا يزال مصير الأسد هو المانع أمام أي تسوية بين الأطراف المتنازعة حيال مستقبل سوريا بين طرف يدعمه ويؤكد على ضرورة إشرافه على أي مرحلة انتقالية يتم التوافق حيالها في البلد وتتمسك بهذا الخيار كل من إيران وروسيا، وبين طرف ثان مناوئ له يؤكد على ضرورة رحيله وتتزعم ذلك السعودية وقطر بدعم أمريكي فرنسي بريطاني. ولا تزال المواقف الخاصة بدول مجلس التعاون منقسمة حيال التطورات فإذا كانت الدوحة والرياض تخندقتا في الجبهة المناوئة لبشار الأسد، تلتزم أبو ظبي الصمت وإن كان موقفها في الملف السوري أقرب إلى حليفها الجديد موسكو في حين تمسك السلطنة موقفا وسطيا من الموضوع. ومن الواضح أنه في خضم هذا التناقض في وجهات النظر أن يستمر النزاع في سوريا أمدا أطول.
&
التعليقات