&أنطاليا ..تحديات الإرهاب والهجرة والحروب.. وفرص الإنقاذ
يجتمع قادتها وسط مخاوف من أزمة اقتصادية عالمية جديدة
&
&أسماء الخولي ومحمود نجم
يستعد قادة أغنى وأكبر 20 دولة في العالم للاجتماع اليوم في منتجع أنطاليا بتركيا، عضو حلف شمال الأطلسي، التي استقبلت أكثر من مليوني لاجئ وتواجه تهديدًا متزايدًا من انتشار الصراعات في سوريا والعراق.
وكعادة اجتماعات قمة الـ20، يأتي النمو العالمي على قمة جدول الأعمال. ويتطلع العالم إلى الوقوف على القضايا السياسية والاقتصادية وغيرها من القضايا الهامة بما في ذلك مناقشة الاضطرابات التي تتعرض لها تركيا على حدودها الجنوبية. وستتناول قمة أنطاليا على أجندتها قضايا تغير المناخ والإرهاب واللاجئين وضعف النمو في الاقتصاد العالمي، واستراتيجيات النمو والعمالة، واستراتيجيات الاستثمار والتجارة والطاقة والقطاع المالي العالمي، ولكن يبقى السؤال عن ماهية الفرص والتحديات أمام كبار العالم لتحقيق تقدم مقبول في هذه الملفات؟
في ظل التعافي البطيء وغير المتكافئ في الاقتصاد العالمي وتباطؤ معدلات النمو والتجارة في كثير من بلدان العالم المتقدم والنامي على حد سواء، اختارت تركيا أن تُعيد طرح الموضوع الرئيسي لقمة الـ20 في العام الماضي في بريسبان، أستراليا. وترى تركيا قمة الـ20 منبرا رئيسيا للقضايا الاقتصادية والمالية التي تواجه دول العالم منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008.
وقال أحمد داود أوغلو رئيس الوزراء التركي، في ورقة رسمية لمجموعة الـ20: «الكساد العظيم في 2008 - 2009 علمنا أن الحل للتحديات العالمية يقع في الإجراءات العالمية». وأضاف أوغلو، باعتباره رئيسًا للقمة هذا العام، أن تركيا تهدف إلى المساعدة في الوصول إلى نمو عالمي شامل وقوي من خلال العمل الجماعي بهدف رفع قدرة الاقتصاد العالمي.
وأعطى أوغلو الأولوية في أنقرة لدعم تشغيل الشباب والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتمكين المرأة، فضلاً عن القضايا ذات الصلة بالبلدان النامية ذات الدخل المنخفض.
وبالإضافة إلى ذلك، فإنه يسعى إلى إضفاء الطابع المؤسسي على قمة G20 عن طريق منتدى وزاري جديد للطاقة، وهو منتدى الشركات الصغيرة والمتوسطة ومجموعة مشاركة المرأة العشرين.
وقال رمضان تاس، مدير مركز HESA للبحوث الاقتصادية ومقره أنقرة، أن الاقتصاد العالمي قد يكون على أعتاب أزمة جديدة، وهو ما يرجح أن يكون سببها حروب العملة وحروب سعر الفائدة والحروب التجارية.
وأشار تاس إلى عدم وجود إدارة جيدة للاقتصاد العالمي، خصوصا فيما يتعلق بمعرفة جذور المشكلة، منتقدا المؤسسات الاقتصادية والمالية العالمية مثل صندوق النقد الدولي (IMF) والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية، بأنها «عفا عليها الزمن» في التعامل مع الأزمات التي لا تنتهي. فعلى الرغم من النداءات المتكررة والوعود، والإصلاح الحالي للنظم النقدية والمالية العالمية لإنشاء نظام مالي جديد عادل ومنصف وشامل وجيد الإدارة، فإنه لم يتم إحراز تقدم كبير.
أزمة اللاجئين والإرهاب
ترعى تركيا أكثر من مليوني سوري فروا من الحرب التي تدور منذ مارس (آذار) 2011.
وقال جون كيرتون، المدير المشارك لمجموعة أبحاث G20 ومدير مجموعة بحوث G8 في جامعة تورنتو: «إن القضية لم تظهر على السطح حتى هذا الصيف عندما طرق مئات الآلاف من اللاجئين أبواب دول الاتحاد الأوروبي وتكررت مآسي المهاجرين الذين غرقوا في البحر أثناء رحلاتهم إلى أوروبا».
وكانت تركيا والاتحاد الأوروبي قد وقعا اتفاقا مبدئيا حول هذه القضية، التي بموجبها اتفقا على مجموعة من الشروط، بما في ذلك المساعدات المالية، في مقابل احتضان أنقرة للاجئين إلى أن يتم إعادتهم.
وقد تدهور الوضع الأمني في تركيا، وكذلك منذ أن بدأت الحكومة في أواخر يوليو (تموز) الماضي هجمات متزامنة على أهداف لـ«داعش» داخل سوريا والذين ينضمون إلى حزب العمال الكردستاني المحظور في جنوب شرق تركيا وشمال العراق.
وقد شهدت البلاد أعنف التفجيرات الانتحارية، خصوصا تلك التي ضربت العاصمة أنقرة يوم 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مما أسفر عن مقتل 102 شخص، وتم تصنيف الحادث كأكثر الهجمات دموية في تاريخ تركيا الحديث.
وأشار كيرتون إلى أنه يجب في عشاء افتتاح القمة، أن يقوم قادة مجموعة الـ20 بالنظر في كيفية تحسين الرعاية لملايين اللاجئين من سوريا، وأن تتطرق القمة إلى السبب الجذري للأزمة – وهو الحروب المستمرة في سوريا والعراق.
قضية تغير المناخ
على الرغم من أن دول مجموعة الـ20 تعهدت قبل ست سنوات بإنهاء دعم الوقود الأحفوري لتلبية الالتزامات العالمية لمكافحة الاحتباس الحراري، فإنهم مستمرون في تقديم دعم يُقدر بمليارات الدولارات لإنتاج الفحم والنفط والغاز.
وأظهر تقرير اقتصادي صادر عن مركز الأبحاث البيئية الأميركي، والمركز الفكري الإنساني بالمملكة المتحدة، ومعهد تنمية ما وراء البحار، أن دول المجموعة تدفع 633 مليار دولار في دعم الإنتاج سنويًا لشركات النفط والغاز والفحم، بينما تدفع أستراليا 7 مليارات دولار في المتوسط سنويًا في دعم منتجي الوقود الأحفوري.
وقال التقرير إن المبلغ الذي أنفقته حكومات G20 على دعم الوقود الأحفوري أكثر من ثلاثة أضعاف المبلغ الذي أنفق من قبل العالم على دعم صناعة الطاقة المتجددة.
ومن بين دول مجموعة الـ20، تصدرت روسيا القائمة بإنفاق 32 مليار دولار في دعم الإنتاج في كل عام، وتدفع الولايات المتحدة أكثر من 28 مليار دولار سنويًا، كما تدفع بريطانيا 12 مليارًا، وكان الإنفاق السنوي للبرازيل يبلغ في المتوسط 7 مليارات دولار، وأعطت الصين ما يزيد قليلاً على 4.2 مليار دولار سنويًا لشركات النفط والغاز والفحم.
وذكر تقرير صدر من صندوق النقد الدولي (IMF) في وقت سابق من العام الحالي، أنه من المتوقع أن تصل قيمة دعم الطاقة عالميًا بعد خصم الضرائب إلى 7.4 تريليون دولار أو ما يُعادل 6.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنهاية عام 2015.
وبالتزامن مع ارتفاع تكاليف دعم الوقود الأحفوري، ترتفع في المقابل انبعاثات الكربون المتسببة في ظاهرة الاحتباس الحراري، ورغم أن نصيب الفرد من الانبعاثات الكربونية على مدى السنوات الخمس حتى عام 2012 تراجع في أستراليا والولايات المتحدة وكندا واليابان وألمانيا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي وجنوب أفريقيا وإيطاليا وفرنسا والمكسيك. فإنه يرتفع في دول مجموعة الـ20 الأكثر اكتظاظًا بالسكان كالصين والهند، وكذلك يرتفع أيضًا في كل من السعودية وكوريا الجنوبية وروسيا والأرجنتين وتركيا والبرازيل وإندونيسيا.
ويقول تقرير صادر من قبل منظمة جديدة تُدعى شفافية المناخ، إنه على مدى ربع القرن الماضي، ارتفعت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بدول مجموعة الـ20 بنحو 50 في المائة في حين ارتفع نصيب الفرد من الانبعاثات بنحو 18 في المائة.
وقال ألفارو أومانا، وزير البيئة السابق بكوستاريكا والرئيس المشارك لمنظمة شفافية المناخ، إن كل دول مجموعة الـ20 تحتاج إلى بذل المزيد من الجهد لحل أزمة التغير المناخي.
محاربة الفساد وغسل الأموال
فشلت حكومات مجموعة الـ20 بما في ذلك الولايات المتحدة والصين على الوفاء بوعدها بمحاربة الفساد من خلال اعتماد قوانين لوضع حد للسرية التي تجعل من السهل على الفاسدين إخفاء هويتهم وتحويل الأموال عبر الحدود الدولية. وبحسب بيانات عالمية، هناك تريليونا دولار يتم غسلها سنويا، والكثير منها عن طريق إخفاء ملكية الشركة، ومن بين دول مجموعة الـ20، تعمل المملكة المتحدة فقط بنشاط لتجعل من الصعب على الفاسدين إخفاء أموالهم.
ووفقًا لتقرير جديد صادر عن منظمة الشفافية الدولية، حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، تعتبر أكبر الاقتصادات في العالم، الولايات المتحدة والصين، من بين الأسوأ أداء، وكلاً منهما يجب أن يُكثف الجهود لوضع قوانين لوضع حد لإساءة استخدام الشركات والكيانات القانونية الأخرى لأغراض فاسدة.
ويتساءل كوباص سوادرت، العضو المنتدب لمنظمة الشفافية العالمية: ما المانع من تكثيف جهود دول مجموعة الـ20 لإغلاق كل الأنشطة التي يتم مزاولة الفساد من خلالها، على الرغم من الوعود للقيام بذلك مرارًا؟
فقبل عام واحد من الآن، وضعت حكومات مجموعة الـ20 (G20 High - Level Principles on Beneficial Ownership Transparency) التزاما جريئا في أستراليا، يهدف إلى تفكيك الهيكل القانوني الذي يسمح للشركات غير المعروفة والكيانات القانونية الأخرى العاملة في أكبر 20 اقتصادًا في العالم بنقل وإخفاء الأموال، التي تكون مسروقة في كثير من الأحيان، عن طريق الفساد. وتراجعت بعض الدول عن الالتزام بالجوانب الأساسية التي تضمن معرفة من هو حقًا وراء الشركات والصناديق الائتمانية والكيانات الأخرى التي تمارس الفساد، حتى إن البرازيل وجنوب أفريقيا لم تعتمد تعريف قانوني لملكية المنفعة، رغم أن هذا المصطلح التقني يستخدم لوصف الشخص أو الأشخاص الحقيقيين الذين يسيطرون على الشركات والكيانات.
وتقول منظمة الشفافية العالمية، في تقريرها الصادر في 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، إن حكومات مجموعة الـ20 تحتاج أيضا إلى تشديد الرقابة على الشركات والبنوك وغيرها ممن يساعدون الفاسدين على التمتع بأنماط الحياة المترفة على حساب مواطنيها.
ووفقًا لتقرير منظمة الشفافية، هناك اثنان فقط من بلدان المجموعة، الهند والمملكة المتحدة، التي تطلب من الشركات تسجيل أحدث المعلومات عن الشخص الحقيقي الذي يملك أو يسيطر عليها. وهذا يعني أنه في بقية دول مجموعة الـ20 إذا كانت الشركة كيانًا غير قانوني، فإنه يكون من غير الممكن محاسبة المالك الحقيقي لها.
وعلى الرغم من أن المملكة المتحدة تحتل المرتبة الأعلى في مسح الشفافية، فإن هذا التقييم لا يغطي سوى القانون المحلي وليس معايير ملكية المنفعة للكيانات القانونية المدرجة في الأقاليم البريطانية، والأقاليم التابعة لها، التي يصنف كثير منها على أنه «جنات التهرب من الضرائب».
مشكلات النمو في الاقتصادات الناشئة
يقول إندرو كينغام، الاقتصادي بمؤسسة كابيتال إيكونوميكس للاستشارات ومقرها لندن، إن هناك مؤشرات مقلقة حول صحة بعض الاقتصادات الناشئة، بما في ذلك تركيا، حيث التضخم مرتفع والعملة تكافح، فضلاً عن روسيا التي تعاني أكثر من غيرها.
ويُضيف كينغام، إن الاقتصاد الروسي، الذي تتراجع توقعات نموه إلى 3.3 في المائة خلال عام 2015، يكافح حقًا في مواجهة مشكلات مُتعددة يأتي على رأسها العقوبات في وقت تنهار فيه أسعار النفط الذي يُمثل أكثر من 80 في المائة من عائدات روسيا الهيدروكربونية، فضلاً عن تراجع قيمة الروبل بصورة كبيرة مما يُزيد من مديونيات الشركات المُقترضة بالعملات الأجنبية، وهذه العوامل تخلق صعوبة في بيئة العمل الاستثمارية في البلاد.
وتباطأ النمو الرسمي في الصين إلى أقل من 7 في المائة، كما أدت المخاوف المبالغ فيها حول مستقبل نمو الاقتصاد الصيني إلى عمليات بيع كبيرة للأسهم، وصلت إلى ذروتها في يوليو الماضي، التي أدت إلى المساهمة في استمرار تراجع أسعار النفط.
وأثارت بيانات اقتصادية قوية من الولايات المتحدة توقعات بزيادة أسعار الفائدة خلال ديسمبر (كانون الأول) المُقبل، مما يضاعف المشكلات بالنسبة للاقتصادات الناشئة.
حقوق التصويت بصندوق النقد الدولي
قالت الصين في بداية الأسبوع الثاني من نوفمبر الحالي، إنها تريد من بقية دول المجموعة التركيز على إصلاح حقوق التصويت في صندوق النقد الدولي. وقال أوليفيا جيبنر، أستاذ بكلية الاقتصاد بلندن: «إن حصص الدول بالصندوق ممثلة تمثيلاً ناقصًا بشكل كبير. وفي الوقت الحالي، فإن الولايات المتحدة لديها نحو 16 في المائة من الحصة، بينما تمتلك الصين 4 في المائة فقط، وتمتلك الهند 3 في المائة، وتمتلك البرازيل 2 في المائة. لذلك، فإن هذا التقسيم لا يعكس وضعية النظام الاقتصادي الحالي على الإطلاق».
الضرائب على السكر
في نهاية الأسبوع الماضي، اقترح الاتحاد الدولي للسكري (IDF) وضع الأوبئة المزدوجة من السمنة ومرض السكري على جدول الأعمال العالمي للقمة إلى جانب القضايا الجيوسياسية والمالية الكبرى.
ودعا خبراء مرض السكري، يوم الخميس الماضي، زعماء العالم لاستخدام الضرائب على السكر لمكافحة السمنة، متوقعين أن تُنقذ هذه الخطوة الأرواح وتُخفض ميزانيات الرعاية الصحية. ومع وفاة واحدة كل 6 ثوان، أصبح مرض السكري قاتلا بصورة أكبر من فيروس نقص المناعة البشرية والسل والملاريا مجتمعة. وتشير التقديرات أن معظم البلدان تنفق ما بين 5 و20 في المائة من ميزانية الرعاية الصحية على المرض.
وتتسبب السمنة فيما يقرب من 90 في المائة من حالات الإصابة بمرض السكري، وهذا الرقم في ازدياد مضطرد، خصوصا في الاقتصادات النامية حيث يتحول الناس إلى الوجبات الغربية، ويعيش أكبر عدد من مرضى السكري في العالم الآن في الصين.
ويبقى السؤال هل تنجح اجتماعات أنطاليا في وضع إطار لتحقيق هذه الأهداف، وهل سيؤدي وضع هذا الإطار إلى تحقيق الأهداف بالفعل؟ الإجابة تكمن في تقييم ما حدث في الاجتماعات السابقة.
* الوحدة الاقتصادية بالقاهرة
&
التعليقات