&موناليزا فريحة موناليزا فريحة
&
بقدر الخوف الذي أثاره خبر العثور على جواز سفر سوري قرب جثة أحد الانتحاريين الذين نفذوا الهجوم على مسرح #باتاكلان ، كان النبأ نفسه مادة سخرية وتهكم واسع بين الناشطين السوريين الذين لم يقتنعوا، شأنهم شأن كثيرين، بأن انتحاريا ذهب ليفجر نفسه، حمل معه جواز سفر ليعرف به عن نفسه وجنسيته. وبعيدا من التهكم والسخرية، ثمة أسباب جدية أخرى تدعو الى التريث وعدم القفز الى الحسم بأن "الدولة الاسلامية" دست مقاتلين لها بين اللاجئين السوريين لتنفيذ هجمات في أوروبا.
السلطات الصربية قالت إن صاحب جواز السفر السوري الذي عثر عليه قرب احد الانتحاريين في باريس، دخل أراضيها في تشرين الأول الماضي وطلب اللجوء.وبدورها، أفادت السلطات اليونانية إن جواز السفر يطابق جوازاً استخدمه لاجئ وصل إلى جزيرة ليروس اليونانية في الثالث من تشرين الأول الماضي.
مثل هذه التصريحات زاد المخاوف من مندسين من "داعش" بين الاف اللاجئين الذين وصلوا الى اوروبا.فأوروبا تعيش منذ الصيف انقساما عميقا في شأن السياسة الواجب اعتمادها حيال أكبر موجة لجوء تشهدها القارة منذ الحرب العالمية الثانية. والمستشارة الالمانية أنغيلا ميركل التي باتت تلقب "أم اللاجئين" بعدما فتحت أبواب بلادها لاعداد متزايدة منهم ، صارت هدفا لانتقادات من أقرب حلفائها الذين أبدوا قلقهم من سياسة الابواب المفتوحة. وزير المال البافاري في الحكومة الالمانية ماركوس سودر سارع الى استغلال مأساة باريس ليقول:"ايام الهجرة غير المنظمة والدخول غير الشرعي لا يمكن أن تستمر .باريس غيرت كل شيء".
أما الحكومة البولونية الجديدة فهبت الى استغلال الاخبار عن جواز السفر السوري للتراجع عن اتفاق لاستضافة الاف السوريين.وحسمت صحيفة "الميل أون صنداي" الامر بأن المهاجمين "تسللوا الى أوروبا كلاجئين سوريين وهميين".
من الطبيعي عدم تقليل شأن هذه المخاوف، وخصوصا بعد موجات اللجوء التي زادت الصيف الماضي وتدفق الاف السوريين الى اوروبا عبر الجزر اليونانية يوميا.ففي موازاة مشاهد معاناة اللاجئين عبر الحدود البرية والبحرية والتي تابعها العالم بأسى، كانت اجراءات التسجيل بحسب صحافيين عاينوا الامر، مجرد عملية شكلية وجيزة بدل أن تكون تحقيقا طويلا.ففي اليونان، كان اللاجئون يبرزون وثائق تحدد هوياتهم الى السلطات اليونانية قبل أن يسمح لهم بالعبور بعد ذلك بدقائق من دون أي تدقيق في خلفياتهم.فلا الوقت ولا الموارد تسمح بالتدقيق بصلات محتملة للاجئين بتنظيمات ارهابية.لذا كان سهلا نسبيا على ارهابي يريد دخول أوروبا أن يفعل ذلك.
ومع ذلك، يبدو القفز الى الربط بين بين الهجمات وازمة اللاجئين سابقاً لاوانه، وذلك لاسباب بعضها عام وبعضها الاخر أكثر دقة.
محلل الشؤون الجهادية أرون زيلين لفت الى أن "داعش ابدى مرارا اشمئزازه من الاشخاص الذين يهربون من سوريا الى اوروبا"، معتبرا أن لجوءا كهذا يقوض رسالة داعش أن الخلافة هي ملجأ". من هذا المنطلق، يعتبر أن الغالبية العظمى من اللاجئين ليست مناصرة ل"داعش" .
وفيما يبدو هذا السبب عاماً وليس مقنعاً للبعض، ثمة اسباب أخرى تدعو الى التحقق من جواز السفر السوري نفسه ، وما اذا كان حامله انتحاريا أم ضحية سورية ، وخصوصا أن جواز سفر مصريا اعتقد أنه لاحد المهاجمين وتبين لاحقا أنه يعود الى مصاب في الهجوم.كذلك، ليس محسوما بعد ما اذا كان حامل جواز السفر هو الصاحب الشرعي للجواز، أو أنه مسروق.
شبكة "سي بي أس" الاميركية للتلفزيون نسبت الى مسؤول في الاستخبارات الاميركية أن جواز السفر قد يكون مزورا، لانه لا يحتوي على الرقم الصحيح لجواز سفر سوري شرعي، والصورة ليست مطابقة للأسم.
وكانت تجارة جوازات السفر السورية المزورة نشطت أخيرا، بعدما سهلت دول عدة اللجوء للسوريين، ووردت تقارير عدة عن تزوير جوازات، حتى ان صحافيا هولنديا نجح في استصدار جواز له باسم رئيس وزراء بلاده.
&
كذلك، ازدهرت سوق بيع الجوازات السورية بالاف الدولارات .وحتى أن وكالة مراقبة الحدود الاوروبية أقرت بمشكلة متزايدة في هذا الشأن.
السبب الثالث الذي يدفع الى التوقف مليا عنده قبل القفز الى الاستنتاجات هو مسألة العثور على جواز سفر اصلا. فمن الغريب أن يحمل انتحاري ذهب ليفجر نفسه جواز سفره معه، الا إذا كان "داعش" قد تعمّد ليحرض اوروبا على اللاجئين السوريين، واقناع السوريين بأن دولة الخلافة هي ملاذهم الامن الوحيد.ويبقى السؤال كيف بقي الجواز سالما فيما تحول البشر أشلاء.
وسط المأساة الفرنسية الكبيرة، تحول جواز السفر لغزا يخبئ كثيرا من الاسرار ويجب الاسراع في فك رموزه قبل اعطاء الصقور الاوروبيين ذريعة اضافية لفتح النار على اللاجئين وزيادة عذاباتهم عذابا.
&
التعليقات