مطلق بن سعود المطيري
الإرهاب لم يعد عمليات عنف تضرب هنا وهناك، وتفجير مواقع وأجساد ورؤوس تقطع، وملاحقات امنية، بل مرحلة من التحولات السياسية والامنية فرضها الفكر الارهابي على كل بلاد الدنيا، اوروبا تنقلب على دستورها وتعطل بنود الحرية به وتتفحص فقرات منح الجنسية بقصد إلغاء هذه الفقرات او تضييقها، وفرض قانون الطوارئ وجد استحسانا شعبيا غير مسبوق بتاريخ عواصم الحريات والتنوير، والاعلام الاوروبي اصبح يمارس دورا امنيا وليس اعلاميا، فلم يعد يبحث عن خبر جديد، بل عن اتهام جديد يدين به فردا او جماعة او ثقافة، اصبح هذا الاعلام يحث على العقاب والنبذ والسيطرة على البلاد التي خرج منها الارهاب وفكره وافراده.
وسط هذه التحولات العنيفة لن يكون هناك رأي آخر محترم، بل عدو آخر مطلوب تصفيته، والاسلام في الخطاب الاعلامي الاوروبي ليس دينا يتم استغلاله من جماعات متطرفة، بل ثقافة يخرج منها افراد متطرفون.
وإغلاق بعض المساجد هناك بحجة انها تحرض على العنف، ما هو الا خطوة اولى لقفل جميع المراكز الاسلامية، والتعامل مع الدين الاسلامي تحت عناوين طائفية ومذهبية، حيث سيسمح لمذهب ويمنع مذهب، مذهب حليف للغرب ومذهب عدو للغرب، هذا المعطى ربما يجعل الاتهام يلاحق المذهب السني على مستوى الافراد والدول، لا لتورطهم في عمليات ارهابية، ولكن كثقافة ينتمي لها اصحاب الفكر الارهابي، وان تم ذلك سيكون تجاوزا متعمدا على الواقع لخلق واقع جديد، وهذا يدعم نظرية تقسيم المنطقة وبناء تحالفات جديدة تستبعد منها الدول السنية.
قراءة المستقبل علم له منهجيته وادواته، وبناء شكل المستقبل، يبدأ بالاعلام، فأسلوب مطاردة الفكر الارهابي اعلاميا في وسائل الاعلام الغربية، اسلوب يثير مجموعة من المخاوف على مستقبل المنطقة، فالاسلوب الذي انهى حياة الارهابي اسامة بن لادن، اسلوب يعطي النتيجة ويحتفظ بالتفاصيل، النتيجة ابن لادن مات، والتفاصيل تم رميها في البحر، هذه الرمزية تعبر بشكل واضح عن ان الحقيقة هي ما يريد الغرب ان تكون حقيقة، لا من حيث هي امر مشاهد يلمسه العالم ببراهين وأدلة منطقية، ضبابية الادوات والممارسات دائما ما تكون اعمال الاجهزة الاستخبارية، لذلك رموا هذه الحقائق في البحر حتى لا يعرف العالم الحقيقة.
نحن اليوم مع حادثة باريس امام حقائق واجراءات ضبابية، لا نعرف مدى حقيقتها وتأثيرها على الدين الاسلامي كعقيدة سمحة ومتصالحة مع المختلفين عنها بالنهج والايمان، فالاعلام العربي والسعودي على وجه التحديد في هذه المرحلة بالغة الحساسية عليه الا يكون ناقلا متضامنا لاشكال الاعلام الاوروبي بل مشاركا ومحاورا، فلديه آلاف القصص التي يمكن ان يرويها في محاربة الارهاب، كإعلام لدولة اسلامية تعاملت مع الارهاب كخطر على الانسانية جمعاء عندما كانت اوروبا تستقبل الارهابيين بزعم أنهم أصحاب رأي مطاردون!.
ثقافة المملكة الدينية يجب الا تكون ضحية الارهابيين ولا الممارسة الاعلامية الغربية، ومن هذين النقيضين على اعلامنا ان يبني استراتيجيته الدفاعية التي تعبر عن بلدنا كدولة قائمة على الدعوة الاسلامية وستبقى تدافع عن هذه الدعوة المقدسة.
&
التعليقات