أحمد عبد الملك

أصدر مجلس الأمن الدولي بالإجماع القرار رقم 2254 الذي يهدف لإنهاء النزاع في سوريا وتحقيق الأمن والاستقرار في هذا البلد الذي تعصف به النزاعات وأعمال الاقتتال بين النظام ومعارضيه، الأمر الذي جعل سوريا مسرحاً لصراعات إقليمية ودولية كبيرة، كان أولى ضحاياها الشعب السوري. كما دعا القرار إلى وقف لإطلاق النار وبدء محادثات سلام بين الحكومة والمعارضة.

&

وعِيبَ على القرار الدولي خلوهُ من أي إشارة لإنهاء حكم بشار الأسد، وهو أمر تشترطه المعارضة السورية وبعض الدول الإقليمية. والتخوف هنا، حتى وإن صيرَ إلى انتخابات، أن يعيد النظام ترتيب أوراقه، ويفوز بالانتخابات. وهنالك خلاف واضح بين واشنطن، التي ترى ضرورة رحيل الأسد، وموسكو التي يردد وزير خارجيتها «أن الشعب السوري هو من يقرر مستقبل الأسد»! وقد اعترف وزير الخارجية الأميركي (جون كيري) بوجود خلاف داخل المجتمع الدولي حول مصير الأسد!

كما عِيبَ على القرار عدم إشارته للقوات الأجنبية الموجودة على الأراضي السورية، ومنها القوات الروسية والميليشيات الإيرانية والعراقية وعناصر «حزب الله» وغيرها. وكان الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية قد أصدر يوم السبت الماضي بياناً شدد فيه على أن «تشمل الهدنة المتوقع إقرارها في سوريا وقف القصف الروسي». وأشار ممثل الإئتلاف لدى الأمم المتحدة إلى أن الهجمات الروسية لا تزال تستهدف الجميع باستثناء تنظيم «داعش».

وهنالك إشارة واضحة في البيان لوقف إطلاق النار في موعد لا يتجاوز شهراً من تاريخ اتخاذ القرار الدولي، وأنه «لن يطبق على الأعمال الهجومية أو الدفاعية التي تنفذ ضد الأفراد والكيانات الإرهابية، مثل تنظيم «داعش» وجبهة «النصرة» والكيانات المرتبطة بتنظيم «القاعدة»، وهذا قد يبرر تواصل الهجمات الروسية ضد أهداف داخل سوريا، مما يطيل معاناة الشعب السوري.

وتوالت ردود الأفعال بعد صدور القرار الدولي الجمعة الماضي. فقد رحبت الولايات المتحدة بقرار مجلس الأمن بالإجماع، وقال كيري إن الخطة التي تبناها مجلس الأمن تعد خطوة كبيرة في جهود إنهاء الصراع في سوريا، وتقدم خياراً حقيقياً للسوريين بين الحرب والسلام. لكن الوزير الأميركي صرح خلال جلسة التصويت على القرار بأن «الخلافات ما زالت حادة داخل المجتمع الدولي بشأن مستقبل الرئيس الأسد». من جانبه أشار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى أن القرار ينص على أن الشعب السوري وحده يمكن أن يقرر مستقبله، بما في ذلك مصير الرئيس السوري، مؤكداً الإجماع الدولي على وحدة سوريا وسيادتها وضرورة بقائها موحدة، علمانية متعددة الأديان والقوميات. وكان قد صرح قبل ذلك بأن مجلس الأمن سيكون مستعداً لاتخاذ خطوات عقابية حالَ حدوث انتهاكات للقرار المذكور حول التخلص من ترسانة الأسلحة الكيماوية السورية.

كما رحبت الصين بالقرار الدولي، ورأت أنه يقدم فرصة جديدة للسعي نحو تسوية سياسية للقضية السورية، وقال وزير خارجيتها: «نأمل أن تبقى الأطراف المعنية في تعاون وثيق وأن تفي بمسؤولياتها، وأن تنفذ قرار مجلس الأمن بطريقة شاملة ودقيقة، لتحقيق تسوية ملائمة لقضية الأسلحة الكيماوية في سوريا».

كما رحبت بريطانيا بتوصل مجلس الأمن إلى القرار (2254) بشأن الأزمة السورية، ولفت وزير خارجيتها إلى أن «الكثير من التحديات ستكون من دون شك في طريق حل الأزمة السورية»، لكنه شدد على ضرورة أن يتخذ المجتمع الدولي خطوة كبيرة لإيجاد مخرج للأزمة باعتبارها أكبر أزمة إنسانية وأمنية في العالم.

وأعلنت إيران أنها ستواصل دعم الحكومة السورية على الرغم من صدور قرار مجلس الأمن. لكن مسؤولين إيرانيين ألمحوا إلى أن بلادهم قررت توحيد موقفها مع روسيا فيما يخص الأزمة السورية، في إشارة إلى أنها قد تخفف من اعتراضها على رحيل الأسد عن السلطة، في إطار الاتفاق الجديد.

القرار الدولي الجديد لا يرتقي إلى مستوى طموحات مؤتمر الرياض لقوى الثورة والمعارضة السورية، الذي أعلن أن الترتيبات السلمية في مرحلة الحل السياسي يجب ألا تتضمن أي دور لبشار الأسد، لكن القرار لم يتضمن أي إشارة لذلك.
&