جيفري كمب
&
ربما ليست مفاجأة كون الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمرشح المتسابق على ترشيح الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركية العام القادم، رجل الأعمال دونالد ترامب.. قد انخرطا في مدح أحدهما الآخر خلال الأيام الماضية الأخيرة. ذلك أن كلا من الرجلين يرغب في تقديم نفسه في صورة «الرجل القوي» القادر على جعل بلده «عظيماً من جديد» بعد أن فقد عرش قيادة العالم، وكلاهما يمقت الضعف وأساليب المهادنة السياسية والدبلوماسية، ويعتبر باراك أوباما رئيساً ضعيفاً غير مؤهل لقيادة بلد كبير مثل الولايات المتحدة الأميركية. وكلاهما أيضاً لديه أنا متضخمة بحجم إحدى ناطحات السحاب التي يملكها ترامب في مدينة نيويورك.
&
الإعجاب المتبادل بين الرجلين بدأ عندما وصف بوتين ترامب بالرجل «الذكي» و«الموهوب»، وهو ما رد عليه ترامب بالقول إنه يعتبر هذا الإطراء «وسام شرف» يعتز به، قائلا إن بوتين «زعيم قوي.. هزم رئيسنا».
&
وأمام أسئلة صعبة من الصحافة الأميركية ومن منافسيه في السباق على ترشيح الحزب الجمهوري، رفض ترامب التعليق على سلوك بوتين المناوئ للولايات المتحدة وقمعه لصحافة المعارضة في روسيا. غير أن ترامب أشار بالمقابل إلى أن بوتين يتمتع بدعم واسع بين الشعب الروسي يبلغ 80 في المئة، في حين لا يتجاوز مستوى الدعم الشعبي لأوباما حدود الـ40 في المئة.
&
والحقيقة هي أن كلا الرجلين ينال إعجاب الأنصار الذين يشعرون بأنهم تعرضوا للإهانة والإذلال على خلفية الأحداث المعاصرة، والذين يتوقون إلى أيام المجد والعظمة التي ولّت. فبوتين يحنّ إلى مجد الاتحاد السوفييتي الغابر، في حين يشير ترامب إلى عهد رونالد ريجن الذي تميز برخاء وازدهار عظيمين في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية. ويقول ترامب بشكل صريح وواضح إنه إذا أصبح رئيساً للولايات المتحدة، فإنه سيصبح قادراً على العمل والتعاون مع بوتين حول المواضيع ذات الاهتمام المشترك، وإنه سيتجنب العلاقات الباردة التي توجد اليوم بين بوتين والإدارة الأميركية الحالية، كما أنه سيكون مختلفاً عن معظم المسؤولين الجمهوريين الذين يَعتبرون بوتين وروسيا أخطر تهديدين يواجهان المصالح الأميركية في العالم حالياً.
&
أما بالنسبة للديمقراطيين، وخاصة المرشحة الأوفر حظاً هيلاري كلينتون، فإن احتضان ترامب لبوتين إنما يؤكد حقيقة أن ترامب ليس مستبداً وعنصرياً فحسب، ولكنه أيضاً رجل جد مغرور بشأن قدراته وجاذبية شخصيته لدرجة تجعل منه رئيساً كارثياً. ولهذا السبب تحديداً يأمل كثير من الديمقراطيين أن يصبح المرشحَ الجمهوري للانتخابات الرئاسية، لأنه سيكون من السهل إلحاق الهزيمة به، لاسيما من قبل سياسية مخضرمة مثل وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون.
&
بيد أن جاذبية ترامب تقتصر على مجموعة محددة من الناخبين الأميركيين، تتألف بشكل رئيسي من البيض الذين ليس لديهم تعليم جامعي، والذين يعجبهم ترامب لأنه يسخر من المؤسسة السياسية، الديمقراطية والجمهورية على حد سواء، ويتعمد الإدلاء بتصريحات مستفزة حول اللاتينيين والمسلمين تثير الغضب وتستأثر بتغطية صحافية وتلفزيونية واسعة. وبتصرفه على ذلك النحو، نجح ترامب في الهيمنة على البرامج الإذاعية والتلفزيونية على حساب منافسيه الجمهوريين.
&
والواقع أنه من المبكر جداً الجزم بشأن ما إن كان ترامب هو الذي سيمثل الجمهوريين في الانتخابات الرئاسية، غير أنه إذا كان الأمر كذلك بالفعل، فإنه من الصعب تخيل كيف يمكنه أن يفوز بالرئاسة، وذلك بالنظر إلى مواقفه تجاه الأقليات وعدم الارتياح الذي تشعر به المؤسسة الجمهورية تجاهه.
&
ولعل الموضوع الوحيد الذي يستحق عنه ترامب الإشادة، حتى من الديمقراطيين أنفسهم، هو حقيقة كونه يستعمل ماله الخاص لتمويل حملته الانتخابية، وبالتالي فإنه ليس مديناً للمانحين الأغنياء ولا لوول ستريت. والجدير بالذكر في هذا السياق أيضاً أنه قبل الهجومين الإرهابيين الأخيرين في باريس وكاليفورنيا، كانت المواضيع الاجتماعية والاقتصادية محور الحملتين الانتخابيتين، وهو ما كان يضع كلا الحزبين أمام اختيار صعب، وخاصة الجمهوريين الآخرين غير ترامب الذين يعتمدون كثيراً على دعم صناعة الوقود الأحفوري، والقطاع المصرفي، وشركات الصيدلة الكبيرة التي لا تريد من الحكومة الفدرالية تحديد أسعار الأدوية التي يشتريها الأميركيون.
&
وفي النهاية، يمكن القول إن ترامب لا يستطيع النجاح في السباق على الرئاسة لأنه يحظى بدعم 30 إلى 40 في المئة فقط من الناخبين الجمهوريين. ولو أنه كان يتقاسم مع بوتين معدل شعبيته، لكان الأمر مختلفاً. لكن ذلك لن يحد