عبدالله بن بجاد العتيبي

ألقى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز يوم الأربعاء الماضي الكلمة الملكية السنوية في مجلس الشورى، وعرض فيها رؤيته ورؤية حكومته للتحديات القائمة والحلول الحاضرة والخطط المستقبلية، فتحدث عن الملفات الداخلية والخارجية، وأوضح مواقف السعودية منها جميعًا.


أكد الملك في كلمته الضافية على مفهومين أساسيين يتكرر التأكيد عليهما في الكثير من خطاباته؛ الأول استقرار الدولة وعدم حاجتها لأي أحد خارجها ولا مصلحة لها في الكثير من ملفات المنطقة سوى نشر الاستقرار ومساعدة الأشقاء وتثبيت الاستقرار والحرص على أن تستعيد الدول العربية استقرارها ومصالح شعوبها، وهذا ظاهرٌ في سياسة السعودية تجاه مصر والبحرين من قبل، وتجاه اليمن وسوريا اليوم. والثاني استمرارية الدولة، وهي تجمع بين وحدة الدولة وفرض سيادتها والحرص على التنمية والنماء، والتأكيد على أن «مسيرة النماء مستمرة على وتيرة راسخة منذ عهد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، ومن بعده أبناؤه البررة - رحمهم الله جميعًا - حتى اليوم الحاضر»، بحسب الكلمة الملكية.


إعادة الهيكلة الحكومية كانت واحدًا من أهم قرارات الملك سلمان في بداية عهده، وكان أهمها تشكيل المجلسين؛ مجلس السياسة والأمن ومجلس الاقتصاد والتنمية، التابعين لمجلس الوزراء، وهو ما بدأ تأثيره يظهر من خلال إعادة ترتيب الأولويات الحكومية ومزيد فاعلية في تناول الملفات الداخلية والخارجية.


لا أحد يستطيع اليوم التشكيك في أدوار السعودية الفاعلة دوليًا وإقليميًا، فهي بالفعل تقود الدول العربية بالقوتين الناعمة والخشنة، وهي تسعى لإحداث قفزات تنموية وحكومية وتطوير للخدمات وإرضاء للمواطنين عبر عدد من الخطط والبرامج المختلفة التي يمكن إدراج كل مجموعة منها ضمن سياق واحد لقراءتها وتحليلها ورصد أبعادها.


إن واحدًا من أهم عوامل تطور الدول هو رسم الخطط الشاملة والمستقبلية لمواجهة التحديات وبناء المنجزات في استقرار واستمرارية، وأي خطوة في هذا الاتجاه هي خطوة صحيحة وبالغة الأهمية، وذلك أنها تعني خطوة على طريق الألف ميل، فكلما اتسعت الرؤية وطال الأفق اتضحت الصورة واستدعي الصبر وقامت سوق المنافسة على الإنجاز والإبداع، فالرؤى التي تمتد لخمس سنوات أو عشر أو عشرين تختلف عن قرار يصدر وينفذ في نفس اليوم، والخلط بين الأمرين يفقد التوازن والصواب.


تشهد المنطقة صراعات سياسية كبرى، وبخاصة من قبل الجمهورية الإسلامية في إيران، التي تقوم سياستها على التدخل في سياسات الدول العربية وكسر سيادتها والتلاعب بأمنها واحتلالها، ضمن الرؤية القومية وأحلام الإمبراطورية الفارسية وبسط النفوذ والتوسع وبسط الهيمنة على الدول العربية، وذلك عبر عباءة الطائفية ورعاية ميليشيات الإرهاب السني والشيعي، وذلك منذ أطلق الخميني مبدأ «تصدير الثورة» الذي كان يريد به تصدير مشكلات إيران الداخلية للخارج.


ولم تزل إيران تتبع ذات السياسة ونفس الطموح وعين التصدير، وفي تأكيد على الاستقرار والاستمرارية في أن السعودية بقيادة الملك سلمان تقف اليوم كما وقفت دائمًا سدًا منيعًا أمام اعتداءات إيران وخططها التخريبية، فهي تقود في اليمن «التحالف العربي» لدعم الشرعية والقضاء على أذناب إيران في اليمن من ميليشيات الحوثي إلى أتباع صالح إلى تنظيم القاعدة، وهي أعلنت مؤخرًا تحالف الدول المسلمة ضد الإرهاب، وهو التحالف الذي استبعدت منه إيران وحلفاؤها في المنطقة لأن راعي الإرهاب لا يمكن أن يحاربه.


وفي الملف السوري، فقد تطرقت الكلمة الملكية لمواقف السعودية الثابتة في دعم حقوق الشعب السوري، وفي تأكيد للاستقرار والاستمرارية في هذا الملف، فقد أكدت سياسة السعودية على الدعم الكامل لحقوق الشعب السوري ورفض كل الحركات الإرهابية التي تعيث فسادًا وخرابًا وإرهابًا في سوريا، مع دبلوماسية نشطة دوليًا وإقليميًا لجمع المعارضة السورية في إطار واحد ليصبح للشعب السوري ممثل واحد يطالب بحقوقه أمام التدخلات الخارجية وتفشي الطائفية وانتشار الإرهاب.
الملفات السياسية مترابطة على اختلافاتها، فرفض السعودية لقتل النظام السوري لشعبه هو رفض مبدئي لا مساومة عليه، كما أنها ترفض محاولة حزب سياسي وإرهابي موالٍ لإيران بيانًا عيانًا أن يسيطر على الدولة اللبنانية وأن يختطف قرارها ومصيرها بمغامراته وجرائمه البشعة داخليًا وخارجيًا، والواقع في العراق الذي يقول بفشلٍ ذريعٍ للنخبة السياسية الجديدة بعد 2003 التي منح كثير من أحزابها وتكتلاتها ولاءها الكامل لإيران وخذلت آمال وطموحات الشعب العراقي بكل مكوناته الدينية والعرقية والطائفية لا يعني القبول به وضعًا نهائيًا، فالواقع يتم تغييره عبر طرق شتى وأساليب متعددة، والسعودية كعادتها تدعم مكونات الشعب العراقي كافة ضد التدخلات الخارجية من إيران ومن تركيا وتؤيد سيادته وترفض انتهاكها بأي شكل.


قوة السعودية المعنوية والمادية مسخرة لشعبها ولمصالحه ولخدمته، وهي دوليًا داعمة للأمن والسلم الدوليين، وقائدة في مواجهة الإرهاب، وهي بقوتها الذاتية وقوة تحالفاتها وحجم تأثيرها الدولي والإقليمي قادرة على إثبات نفسها كرقم صعب لا يمكن لأحد تجاوزه ولا الانتقاص منه، وما يعزز دورها الإقليمي هو تأكيدها الدائم والمستقر والمستمر بأنها ليست لديها أية أطماع خارج حدودها، بل هي تسعى بجهد جهيد لخدمة الأشقاء ورعاية دولهم وشعوبهم، وذلك بدعم الاستقرار ورفض الفوضى ومحاربة الإرهاب.


من الطبيعي أن تكون الكلمة الملكية ضافية، وأن تتطرق لكل ما يمس المواطن في ملفات بالغة الأهمية كالتعليم والصحة والسكن والطاقة والمواصلات وغيرها، وأن تشيد بالنموذج السعودي في محاربة الإرهاب وتشيد بأبطال الأمن الذين واجهوه وقضوا عليه، وأن تذكر بأن السعودية كانت من أوائل الدول التي حذرت من الإرهاب وحاربته وسعت جهدها لتوسيع الجهود الدولية في محاربته والقضاء عليه.


من يتابع الأخبار ويرصد الزيارات الملكية المتبادلة مع زعماء العالم، والقمم التي يرعاها، أو يشارك فيها الملك سلمان، والتحالفات التي يبنيها، يكتشف بسهولة أنها منظمة وذات أهداف محددة وأبعاد يمكن استقراؤها، وذلك يكمن تحديدًا في ضم التحليل والنتائج إلى تلك الأخبار؛ بمعنى أن الكثير من المواقف السياسية المهمة للسعودية والقرارات الخطيرة التي اتخذتها والتحركات الدبلوماسية التي رافقتها كانت مسبوقة بكل تلك الأخبار.


أخيرًا، فالسعودية على أعتاب عصر زاهر جديد في عهد الملك سلمان، والقيادات الشابة التي اختارها بعناية وقلدها المشروعية والشرعية السياسية، وحملها المسؤولية، والثناء على حسن التخطيط وسعة الرؤية وصلابة الرأي خير من انتظار النتائج التي وإن نقص بعضها فهو نقص في طريق الكمال.
&