فهد بن محمد السلمان
&
إذا لم يكن ما يحدث من حولنا مؤامرة، ومؤامرة كبرى فماذا يُمكن أن يكون؟ إذا لم تكن هذه الميديا، وهذه الأفلام الاحترافية التي يُراد من ورائها إعادة تأثيث عقولنا بقناعات جديدة تنسجم مع إرادة سادة الحضارة المتوحشة، ويُصار من خلالها إلى تشغيل مثبت السرعة باتجاه مجهولنا ومعلومهم
&
مؤامرة، فماذا يمكن أن يكون؟ إذا لم تكن حفلات قطع الرؤوس بأيدي المتوشّمين، وبسكاكين مدّعي الإسلام مؤامرة، فما عساه أن يكون؟ إن لم يكن كل هذا الوحل الذي نتخبط فيه بحثاً عن خُطانا، والناجم عن تجريف وعينا، وقلب تربته لاستنبات شجر زينة لا يُثمر في أبشع عدوان صارخ على نبت البر وشيح الأرض وقيصومها، وزيتونها وياسمينها، إن لم يكن مؤامرة فماذا يمكن أن يكون؟
&
هل بلعنا الطعم منذ أن أقنعونا وأطعمونا مع البرجر والكولا أن نظرية المؤامرة ما هي إلا مسّ من الوهم الصفيق لا تستمرئه إلا العقول السقيمة في أضخم عملية تنويم مغناطيسي، وبالتخدير الموضعي بحيث تبقى عيوننا مفتوحة فيما هم يمزقون ثيابنا قطعة قطعة، ليعيدوا نسجها مجدداً على نول مقاسات جينز ليفي شتراوس لنحلف بالله العظيم أننا لسنا في صف نظرية المؤامرة، تلك التهمة الرجعية حدّ الجاهلية، بدليل أنه لم يغمض لنا جفن حتى يسمح بعبور كتائب المؤامرة وعتادها إلى مضاربنا، وأن كل ما يُحكى عن هذا الأمر، ما هو إلا هذيان بليد لا قيمة له، أو مجرد أضغاث تخمة نتيجة إدمان البسمتي، والمنسف، والفول المدمّس، وبرغل التبولة، تلك التي تصرف الدماء باتجاه منطقة المعدة بعد أن تُجفف العقل والذاكرة، وتغرقهما في سديم التوهّمات.
&
كثيرون يُصرّون على غسل ذمة الغرب عن تهمة المؤامرة بصابون الحضارة، ويعقمون ضميرها بديتول التقدم الذي لا يسمح لأي مايكروب طفيلي مهما كان صغيراً أن يُعشعش فيها، ويُنزهون من نقل الجدري ذات يوم ببطانيات المساعدات الدولية ليقتل به وباسم الحماية من البرد شعوباً من الأطفال والشيوخ والأمهات، ويُنزهون من أبادوا بالأسلحة المحرمة شعوباً أخرى ليخطفوا بجشعهم اللقمة من أفواه أبنائها لصالح شركات نهب ثروات الشعوب التي ترعى حملات الانتخاب وتعبئ باسم الديمقراطية صناديق الاقتراع لصالح المرشح الأكثر وفاء لها ولمخططاتها، كثيرون خُطِفتْ أبصارهم وسُدَتْ أنوفهم بلمعان صورة الديمقراطية وبريقها، وبهرتهم نصاعة ألوان ربطات العنق الأنيقة، والبِدل المعطرة بمياه الكالونيا الراقية، ففقدوا حاسة الشمّ تماما ، حتى احْوَلَتْ حواسهم، فلم يعودوا يستطيعون الربط بين ما يُشاهدون وما يشمُون.. تخيّلوا أن المؤامرة إن جاءتْ ولا تجيء لا بد وأن يكون لها قرقعة قطار عثماني قديم يعمل بالفحم، أو ضجيج مقاتلة حربية يخترق جدار الصوت ، بعد أن مسحوا من ثقافتهم سؤال لماذا جدع قصير أنفه، ونسوا أو تناسوا أن حصان طرواده لم يكن مجرد ورقة صفراء من ارشيف قديم، وأن مستلزمات صوغ الشرق الأوسط الجديد الذي تحدث عنه شيمون بيريز في مذكراته منذ سنوات بعيدة حتى قبل السيدة رايس لن تأتي على ظهر شاحنة جنود، ولا على متن فرقاطة عسكرية، فربما تتسلل عبر الأثير على ثغر مذيعة فاتنة تقرأ الأخبار بلغة لا تقول إلا ما ينبغي لها أن تقول، أو من خلال إمالة لوح الشطرنج لتحريك القطع دون الحاجة لاستخدام اليد وصولاً إلى القلعة، وإلا وبكل سذاجة ما الذي يجمع بين اعتبار داعش مجرد عصابة وبين إعلان قوى الأرض أنها لا تتوقع القضاء عليها قبل ما لا يقل عن ثلاث سنوات، وهذا آخر تخفيض قدمته الولايات المتحدة حتى الآن؟ وما الذي يجمع بين وصف الحوثيين بالمتمردين، وبين اعتبارهم (حوتيين) فعلاً تضرب لهم القوى العظمى ألف حساب، وتعمل كل ما في وسعها على شرعنة انقلابهم؟ ، أيضا ما وجه الخلاف بين بشاعة ارتكابات داعش، وبشاعة ارتكابات الميليشيات الشيعية التي اعترف بها رافسنجاني نفسه؟
&
إن عثرتم في طريقكم على منقوع نوايا طيبة تركه الغرب تحت أقدام داعش فاشربوه كي لا تتورطوا في تفسير ما يجري من هذا النبل العفيف على أنه المؤامرة.