وفيق السامرائي
منذ البداية، عند الحديث عن تحرير نينوى كنت أرى ضرورة بقائها جانبا، وحتى عندما تحدث الأميركيون وبعض العراقيين عن توقيتات وشيكة لتحرير هذه المحافظة المهمة، لم تكن المعطيات على الأرض وعناصر المقارنة في تقدير الموقف الاستراتيجي تعطي أهمية لما يقال، ولا شك في أن نائب رئيس الجمهورية ووزير الدفاع - كونهما من أهل المحافظة - يأملان ويوحيان بشيء من هذا للتخلص من تبعات الاحتلال الذي لم يسهما في تفاديه وهما في مواقع تأثير. غير أن الآمال شيء والمتطلبات الوطنية شيء آخر، لا سيما مع وجود آراء تفرض توجهات أخرى.
وليس معقولا أن يعار الاهتمام إلى ألم في الأطراف يمكن تسكينه، وعدم العمل على حماية القلب من الإجهاد، ولا شيء يجهد المركز أكثر من المحور المركزي، وهو قاطع العمليات المركزي الممتد من البيجي إلى بغداد. وحتى الأنبار التي تتمتع بأهمية تفوق أهمية نينوى فلا ينبغي الانشغال كثيرا بالمناطق البعيدة في هذه المرحلة من الصراع، بقدر ما يفترض الاهتمام بمنطقة حديثة - لحماية أحد أهم سدود الماء الاستراتيجية - ومركز المحافظة.
شريط من البساتين على ضفتي نهر دجلة يمتد من بغداد إلى سامراء بطول 125 كلم، تغلغل «الدواعش» فيه، وامتدادا إلى الشمال بمسافة مقاربة، وليس سهلا الادعاء بتطهير هذه المنطقة التي تمثل مجالا حيويا لبغداد وسامراء المدينة التي تزيدها الأيام أهمية وحساسية لاعتبارات دينية وتاريخية. وقد بذلت القوات المسلحة جهدا كبيرا في محاولات إعادة فرض الأمن وما كانت قادرة على تحقيق المتحقق لولا وصول عشرات آلاف المتطوعين من قوات الحشد الشعبي. وهو تنظيم يتمتع بغطاء قانوني، فالحكومة هي التي ذهبت إلى المنظمات التي قادت الحشد خلال مرحلة كانت بالغة الخطورة، طالبة المساندة.
تحرير محافظة صلاح الدين يحقق نتائج حاسمة - إذا ما أنجزت الخطط طبقا للتصورات المفترضة - فالتحرير يفصل بين قاطعي ديالى وكركوك شرقا وقاطع الموصل شمالا وقاطع الأنبار غربا، فيفقد «الدواعش» القدرة على المناورة بين قواطع العمليات ويمنع إلى حد كبير عمليات التنقل الواسعة لمسلحيهم التي تتطلبها العمليات الواسعة. ويساعد التحرير على توفير ظروف أفضل لتحرير منطقة الفلوجة المهمة، ويساعد على إعادة مئات آلاف النازحين إلى ديارهم، وتحريرهم من حالة الضيق وتشديدات إجراءات الإقامة في غرب إقليم كردستان كأنهم غرباء عن وطنهم.
والأهم من هذا، فإن تحرير محافظة صلاح الدين يلجم الطائفيين والمناطقيين وذيول الانفصاليين وبقايا «الإخوان»، ويحرر الضعفاء من سياسيي المحافظة من التبعية، ويعيدهم إلى قربهم الطبيعي إلى بغداد وقرارات المركز وسلطته، فيتضاءل تأثير الفكر الشوفيني الضال على سلوكهم، خصوصا عند الشعور بالأمن في مناطقهم الأصلية. ومع عودة القاطع أو المحور المركزي إلى حالة الاستقرار والقوة، تزداد حاجة أهل نينوى إلى رؤية قيادة محلية وطنية تتمتع بقوة ترابط قوي مع المركز، تخلصا من حالة البلاء التي تسبب فيها سياسيون عنصريون مناطقيون ممن يسكنون المحافظة. فتتطور عملية العودة إلى حالة الاندماج الوطني التي أعيتها السياسات الفاشلة. لذلك، فإن عمليات صلاح الدين هي الأهم بلا منازع، وستترك أثرا كبيرا على الموقف العام.
وطبقا للحسابات التقليدية المرتبطة بتوازن القوى، يفترض إتمام عمليات التحرير خلال بضعة أسابيع، حتى لو تطلب الوضع تطويق مدينة تكريت وعزلها، إلا أن المهمة تتطلب جهودا كبيرة وإجراءات دقيقة لتحقيق الغاية، ففي المحافظة وقعت واحدة من أسوأ الجرائم المعروفة بجريمة «سبايكر» التي راح ضحيتها مئات الجنود على يد «الدواعش» واتهمت بها عشائر محلية أيضا. وما ذكر عن وقوع جرائم أخرى في محافظة ديالى وخصوصا في منطقة بروانة التي راح ضحيتها نحو 70 شخصا من أبناء السنة، فالغريب أن اللجنة التي تشكلت برئاسة وزير الدفاع السني لم تعلن شيئا وبقيت كسابقاتها من اللجان.
عملية تحرير صلاح الدين تتطلب إعادة ترويض السياسيين لوقف التحريض، ومنع الانتقام خارج نطاق القانون، وحسم الولاءات لتبقى للمركز ووحدة العراق فقط، بعيدا عن أوهام الصداميين وخزعبلات «بقايا الإخوان المسلمين وملاليهم الجهلاء» ومؤامراتهم المستمرة على النسيج المجتمعي.
فهل سيتحقق التحرير؟ نعم سيتحقق بمرور الوقت، رغم استمرار شح الموارد العسكرية وفقا للمعدلات المفترضة، ومن الضروري متابعة ضبط سلوك السياسيين، فهم أصل المشكلات.
التعليقات