داود الشريان
المطرب اللبناني، المعتزل، فضل شاكر، خلع ثوب التشدد. خرج علينا حليق الذقن، مطالباً بمبدأ عفا الله عمّا سلف. وهو، خلال حفلته الداعشية، حرّض على العنف والمذهبية في لبنان، وواجه الجيش اللبناني مع أحمد الأسير في بلدة عبرا، القريبة من صيدا، وحُكِم غيابياً بالإعدام إثر إدانته بتأليف عصابة مسلّحة لتنفيذ أعمال إرهابية.
&
تجربة شاكر تكرّرت مع مشاهير، في ميادين متنوعة، في غير بلد عربي. بعضهم كان صادقاً. تخلّص من فكره السابق. تمثل حال الخليفة الراشد عمر بن الخطاب في موقفه من صلح الحُديبية. وكرّس حياته للتكفير عن ذنبه. آخرون تنازلوا عن خطابهم السابق، وأقنعونا بأنهم تخلوا عن التطرف والتحريض عليه، لكن تراجعهم جاء متردداً خجولاً. لم تصدر منهم كلمة واحدة تشير إلى أنهم كانوا على خطأ. صحيح أنهم تبنوا خطاباً جديداً، لكن موقفهم السابق ظل معلقاً. وهم، ربما، عاودوا تفعيله. اعتذار فضل شاكر، ومن سبقه من المؤثرين والنجوم، يمكن قبوله في الحالات الخاصة، ولكن يصعب تمريره في قضايا عامة، تهدد وجود مجتمعات ودول.
&
التعامل مع المتطرفين والإرهابيين باعتبارهم ضحايا، بداية متحضّرة وصحيحة لمعالجة هذه المشكلة، كما تفعل السعودية في مشروع المناصحة مع المتورّطين بالإرهاب. لكن هذا التوجه يجب ألاّ يكون وسيلة للتفريط بحقوق المجتمعات والدول، فضلاً عن أن اعتبار سلوك هؤلاء المشاهير المتراجعين، مجرد مرحلة فكرية، مثل أي مثقف انتقل من موقف فكري إلى آخر، منهج خاطئ في أحسن الأحوال، ومدمّر في أسوئها. نحن لا نطالب بتعليق المشانق لكل من أيّد الإرهاب ثم تراجع، فضلاً عن أننا نرفض ذلك في شكل مطلق.
&
ولكن، قبل البحث عن طريقة للتعامل مع حالة شاكر وأمثاله، علينا إن نتأمل المشهد الثقافي والاجتماعي والإعلامي في دولنا، قبل أن نلوم أنظمتنا القضائية، في تعاملها مع مثل هذه القضية المعقّدة. حين انتقل شاكر إلى الإرهاب، عامله بعض الإعلام العربي كبطلٍ، واحتفى به. وهو أصبح ضيفاً كبيراً على قنوات وصحف، باعتباره قدوة للشباب العربي، وبعض خطباء المنابر كاد أن يساويه بالصحابي أبو حذيفة بن عتبة.
&
لا شك أن شعوبنا أصبحت ضحية لمفهوم معوجّ للإسلام والتديُّن. بات المواطن العادي لا يفرّق بين الإرهاب والجهاد، فضلاً عن أن بعض دولنا لم يصل إلى موقف حاسم، في التفريق بين الاثنين، وهو ربما، تساهل في هذه القضية، وعلى نحو يهددنا جميعاً.
&
الأكيد أن معالجة إشكالية انخراط مشاهير بالتحريض على الإرهاب، ثم تراجعهم، يجب أن تستند إلى مبدأ التوبة بعد المحاسبة، وليس قبلها. وتغيير المظهر واللغة، لا يعفي صاحبهما من محاسبة معنوية، أقلها فرض إهمال حضوره الاجتماعي في شكل صارم.
&
التعليقات