&ايمن السيد شبانة

&

&

&

تواترت الأنباء لتؤكد مبايعة حركة بوكو حرام النيجيرية لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، فى خطوة اعتبرها المراقبون بمنزلة نقلة نوعية فى تكتيات الحركة، التى حصدت ضرباتها الموجعة على مدى العام الأخير أرواح تسعة آلاف من العسكريين والمدنيين

&


داخل نيجيريا، ودول الجوار الجغرافى المباشر، الكاميرون، والنيجر، وتشاد. بدا واضحاً أن كل محاولات الحكومة النيجيرية، التى جمعت بين أساليب العصا والجزرة، لم تفلح فى تقليم أظافر بوكو حرام. بل إن الحركة اكتسبت أرضاً جديدة، بعد أن أدخلت تغييرات نوعية على عملياتها، بالتوسع فى الهجمات الانتحارية، واختطاف الفتيات والشباب، واحتجازهم كرهائن، والانتقال من التكتيكات القتالية القائمة على الكر والفر إلى احتلال القرى وحرقها.

&

هنا اضطرت نيجيريا إلى التخلى عن كبريائها، وتنحية مخاوفها من تدويل القضية، وذلك بتأجيل الانتخابات العامة، والجهر باستجداء المساعدة العسكرية الإقليمية والدولية، أملاً فى الوصول إلى حسم عسكرى يقضى على ذلك التنظيم، الذى قض مضاجع الدولة القائد فى غرب إفريقيا، بعدما أغلقت كل منافذ التسوية السلمية أو الحلول الوسطى عبر مائدة التفاوض.

&

لكن اللافت للنظر هو ذلك التخاذل الدولى فى مواجهة بوكو حرام، والذى أثار الكثير من علامات الاستفهام حول جدية الولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص فى مواجهة الحركة، وهو ما دفع البعض إلى الاعتقاد بأن الإدارة الأمريكية، التى تزعم بأنها تقود حرباً مقدسة ضد الإرهاب، قد غضت الطرف عن تنامى نفوذ بوكو حرام، وذلك لتحقيق مآربها السياسية والاقتصادية والعسكرية فى نيجيريا بصفة خاصة، وإقليم غرب إفريقيا بوجه عام، خاصة أن الإقليم ينتج وحده 70% من نفط القارة السمراء. هذا المسلك الأمريكى يعود ذلك فى تقديرى إلى أن واشنطن أصبحت ترى فى بوكو حرام ورقة رابحة، يمكن توظيفها لتحقيق ثلاثة أهداف على الأقل. أولها تحجيم أى اتجاه مناوئ للحكومة النيجيرية فى إطار منظمة أوبك. وثانيها الضغط على دول الساحل الإفريقى، لتقديم المزيد من التنازلات فيما يتعلق بالقرارات السياسية، أو المبادلات الاقتصادية، وتوفير التسهيلات اللازمة للقيادة الأمريكية الجديدة فى أفريقيا (أفريكوم). بالإضافة إلى إجبار فرنسا على الانشغال المستمر بالدفاع عن مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية فى مستعمراتها السابقة، بعد أن امتد ذراع بوكو حرام إلى كل من الكاميرون وتشاد والنيجر، وهو أمر بالغ الخطورة. لذلك فعلى الرغم من العلاقات القوية التى تربط بين الولايات المتحدة ونيجيريا، وكون الأخيرة هى المصدر الأفريقى الأول والسابع عالمياً للنفط إلى الولايات المتحدة، فقد ظلت واشنطن حريصة على وضع الحكومة النيجيرية تحت الضغط المستمر. فهى دائماً ما تتعامل مع الآخرين من منطق امبراطورى يسعى لفرض الهيمنة عليهم، دون تفرقه بين عدو أو صديق،. لذا اكتفت الإدارة الأمريكية بتصريحات جوفاء تعرب فيها عن التعاطف مع الشعب النيجيرى، إبان أزمة اختطاف الفتيات، مع الاستعداد لإرسال خبراء عسكريين للمعاونة فى مواجهة الأزمة، رافضة بشكل قطعى التدخل العسكرى المباشر فيها، بدعوى أنه لا يوجد ما يسوغ تورطها فى مثل هذه النوعية من الصراعات المعقدة.

&

فى الاتجاه ذاته، تخاذلت واشنطن عن عدم تقديم الدعم اللوجستى والمالى للقوة الافريقية التى تشكلت فى يناير الماضى ضد بوكو حرام، تاركة العبء الأكبر على كاهل فرنسا، التى استضافت عاصمتها باريس قمة إقليمية لمواجهة بوكو حرام، والتى تتولى تقديم الدعم السياسى واللوجستى إلى قوات التحالف الإقليمى، عبر عمليتها العسكرية برخان «الكثبان الرملية»، التى سبق لباريس أن دشنتها، متخذة من تشاد مقراً لها، لمجابهة الإرهاب فى الساحل الأفريقى. الأكثر من ذلك أن واشنطن راحت تكبل يد الحكومة النيجيرية فى محاربة بوكو حرام، وذلك بعرقلة صفقة طائرات « كوبـرا»، التى سعت أبوجا للحصول على خدماتها لحسم المواجهة مع الحركة، بل إنها راحت تفتح ملفات تبدو غير متسقة مع مسار الأحداث، وذلك بتحذير الحكومة على لسان وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى من مغبة انتهاك حقوق الإنسان، فى خضم المواجهة مع الحركة، والإعراب عن مخاوفها من عرقلة المسار الديمقراطى فى نيجيريا بعد تأجيل الانتخابات العامة.

&

لعل الحالة النيجيرية تستدعى مباشرة كيفية توظيف واشنطن لتنظيم داعش الرئيسى فى العراق وسوريا، واستثمارها لفرع التنظيم فى ليبيا فى خدمة طموحات الإمبريالية الأمريكية فى الشرق الأوسط، وذلك بتكوين تحالف مناهض لداعش فى الظاهر، بغية استغلاله خاصة فى ترتيب الأوضاع فى العراق وسوريا، مع رفض إقامة تحالف مماثل ضد داعش فى ليبيا، والذى تخرج قادته فى معتقلات جوانتنامو، مع المجاهرة بالتحفظ على ممارسة مصر لحق الدفاع الشرعى على الذات، بتوجيه ضربة جوية لمعاقل داعش فى درنة، وكذا مهاجمة توقيع صفقة طائرات رافال بين مصر وفرنسا، ومعارضة رفع الحظر على تسليح الحكومة الشرعية فى ليبيا، باعتبار أن ذلك التنظيم لم يحقق أغراضه بعد فى الضغط على مصر، واستدراج نظامها إلى ساحة جديدة للقتال على الجانب الغربى من الحدود المصرية.

&

وبعد فقد كشفت السياسات المتناقضة للإدارة الأمرلايكية عن وجه امبريالى سافر، يؤكد باستمرار أن الولايات المتحدة، التى تلوح دائماً بالديمقراطية وحقوق الإنسان، لم تكن فى يوم ما حامية للعالم من ويلات الإرهاب، بقدر ما أنها هى المسئول الأول عن صناعة الإرهاب ودعمه وتصديره إلى الجميع، سواء من خلال القاعدة سابقاً، أو عن طريق داعش أو بوكو حرام فى الوقت الراهن.
&