فهمي هويدي

&المذبحة التي شهدتها صنعاء يوم الجمعة الماضي (٢٠/٣) إما أن تكون جرس إنذار ينبه اليمنيين إلى طريق السلامة، وإما أن تكون منزلقا يورط الجميع في أوحال طريق الندامة. ستكون شرا أفضى إلى خير إذا أيقظ الغافلين والغاضبين وحذرهم من الاستمرار في الخصام والمكايدة. وستكون بابا لشرور أكبر إذا ما كانت بداية لحرب أهلية تضيف اليمن إلى قائمة الدول الفاشلة، التي انشغلت بالانتحار الذي ينهزم فيه الجميع وانصرفت عن الحوار الذي ينتصر فيه الوطن.


غرقت صنعاء في الدم يوم الجمعة حين قتل أكثر من ١٤٠ شخصا وجرح أكثر من ٣٥٠ وامتلأت المستشفيات بضحايا تفجير المسجدين التابعين للحوثيين. وفي حين كانت الدماء تخضب وجه العاصمة التي أعلنت فيها الطوارئ كانت طائرات الحوثيين تقصف مقر الرئيس عبد ربه منصور في عدن، وتحدثت التقارير الصحفية عن تحرك قوات تابعة للرئيس السابق علي عبد الله صالح صوب تعز الرافضة لسيطرة الحوثيين. كما تحدثت عن اشتباكات في مأرب بين القبائل وبين قوات تابعة للحوثيين. وعن فتح باب التجنيد في عدن تحسبا لاحتمالات المواجهة العسكرية، خصوصا أن الحوثيين بدأوا حشد حشودهم لأجل ذلك.


وفي الوقت الذي كان المبعوث الدولي جمال بن عمر يحاول وقف انفجار الموقف وإعادة الجميع إلى طاولة الحوار. فإن القوى المناهضة للحوثيين في صنعاء شكلت جبهة عريضة ضمت ٥١ حزبا و١٢ تحالفا مدنيا و١٦ منظمة ونقابة. بالتوازي مع ذلك، فإن عدن شهدت جهودا دبلوماسية لتعزيز موقف عبد ربه منصور هادي من جانب دول الإقليم وبعض الدول الغربية. وفي الوقت ذاته فإن صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين ما برحت تستقبل وفودا ومساعدات من إيران، الأمر الذي يوحي بأن ثمة تعزيزا لموقف كل من الطرفين المتصارعين. في غياب أي أفق لدور عربي، فإن الجو في اليمن يبدو معتما ومفتوحا على جميع الاحتمالات وإن بدت كفة الاحتمال الأسوأ أرجح. وهذا الأسوأ يتراوح بين انفصال الجنوب كحد أدنى والحرب الأهلية كحد أقصى. وهو ما يستدعي إلى الأذهان بقوة سيناريو الدولة الفاشلة والانتحار السياسي، الأمر الذي يتعذر تصور مداه بقدر ما يتعذر التنبؤ بالأمد الذي يمكن التعافي منه، حيث أزعم أن الرابح الأكبر في هذه الحالة سيكون تنظيم القاعدة وجماعة «داعش».
ليست هذه أول أزمة يمر بها اليمن، وإن كانت الأعقد والأكثر خطورة وحدَّة. ذلك أن اليمن منذ ثورة سبتمبر عام ١٩٦٢ التي أنهت حكم الإمامة، واجه سلسلة من الاضطرابات تخللتها ثلاثة انقلابات عسكرية قتل فيها اثنان من الضباط الذين تولوا الرئاسة (إبراهيم الحمدي وأحمد الغشمي)، كذلك فإن دولة اليمن الجنوبي (قبل الوحدة مع الشمال عام ١٩٩٠) واجهت صراعات شرسة على السلطة بين قيادات الحزب الاشتراكي، إلا أن اليمن لم يكن معرضا للتمزق والانهيار، ولا للدخول في حرب قبلية ومذهبية بمثل ما هو مرشح له الآن، كما أنها المرة الأولى منذ ثلاثين عاما التي تصبح فيها إيران أحد اللاعبين الأساسيين في الساحة اليمنية، التي لم تغب عنها الدول الغربية الكبرى، سواء لأسباب إستراتيجية أو بسبب نشاط تنظيم القاعدة فيها.
ولئن تحدث البعض عن جهود لإنقاذ اليمن من سيناريوهات المصير البائس، تبذل من جانب مبعوث الأمم المتحدة ومجلس التعاون الخليجي والسعودية في القلب منه، إلا أننا لم نسمع صوت عقلاء اليمن، الذين دفعت الصدمة أكثرهم إلى إيثار الصمت والانسحاب من المشهد، بعدما وصل فيه العبث إلى مدى لم يخطر على البال. أحد هؤلاء هو الأستاذ محسن العيني رئيس الوزراء ووزير الخارجية الأسبق، الذي كان له دوره في التعامل مع العديد من الأزمات والمشكلات التي شهدها اليمن بعد الثورة. ويذكر في هذا الصدد أنه بعد انقلاب الضباط على حكم الرئيس عبد الله السلال فيما عرف بالحركة التصحيحية التي تمت عام ١٩٦٧، فإن العيني كان من اقترح تشكيل مجلس رئاسي لإدارة اليمن ورشح لرئاسته القاضي عبد الرحمن الإرياني (الذي كان وزيرا للعدل آنذاك)، وهي الفكرة التي أعادت الاستقرار والهدوء إلى اليمن لمدة سبع سنوات لاحقة. وقد عين الإرياني محسن العيني رئيسا للحكومة، وفي عهده (عام ١٩٧٠) طويت صفحة الصراع بين الملكيين المؤيدين من السعودية وبين الجمهوريين وتحققت الوحدة الوطنية بعدما استمر التجاذب بين الطرفين طوال ثماني سنوات تقريبا.


محسن العيني الذي سكت خلال الفترة الماضية واعتزل الجميع في حين ظل يراقب المشهد من مسكنه الذي اعتكف فيه مبتعدا عن ضجيج القاهرة، لديه أفكار يقترح فيها حلا يخرج اليمن من مأزقه يتمثل في الخطوات التالية:
< تشكيل مجلس رئاسي يضم كلا من عبد ربه منصور ــ علي عبد الله صالح ــ علي سالم البيض (القيادي الجنوبى) ــ ممثل لقيادة الحوثيين. وهذا المجلس يقود اليمن لفترة انتقالية، يتولى خلالها كل عضو رئاسة اليمن لستة أشهر بالتناوب.
< يرأس الحكومة علي ناصر محمد القيادي الجنوبي، وله نائبان، هما حيدر العطاس وعبد الكريم الإرياني (من رؤساء الوزارات السابقين)، وتشكل الحكومة من ممثلي الأحزاب والقوى السياسية المشاركة في الحوار.
< تجرى انتخابات عامة في البلاد لاختيار النواب الذين يمثلون الشعب اليمني. وهؤلاء النواب يضعون الدستور وينتخبون رئيس الجمهورية.
< إعلان العفو العام الشامل عن جميع المعتقلين وتفتح الأبواب لعودة اليمنيين الذين غادروا البلاد واختاروا اللجوء إلى الخارج بسبب الاضطرابات التي شهدتها البلاد منذ شهر سبتمبر من العام الماضي.
< هذه الخطوات تتم برعاية من جانب مجلس التعاون الخليجي وإيران. وهي لا تحقق المصالحة بين اليمنيين فحسب، ولكنها تسهم أيضا في تحقيق المصالحة الإقليمية.
أيا كان الرأي في هذه الأفكار، فالأهم أن يتنادى الجميع لإحياء سيناريو الأمل، قبل أن ينفجر الموقف ويطرح على الجميع سيناريو الانتحار.
&