&جلال عارف
&
&
كان اليمن الشقيق ينتظر دوره في جدول أعمال القمة العربية بين الدول المنكوبة بالإرهاب والحروب الأهلية ومحاولة الهيمنة الأجنبية. فإذا به يحتل الصدارة في اهتمامات القمة، وإذا به، بعد بدء عملية عاصفة الحزم، ينتقل من جدول المستسلمين للمصير الذي يفرض عليهم، إلى جدول المقاومين لذلك، ليكون عنواناً لمرحلة جديدة من العمل العربي لابد أن تكون لها أبلغ الآثار على مستقبل الخليج والمنطقة كلها.
وكان اليمن الشقيق أحد أبواب القلق على مصير المنطقة، وأحد أسباب التفكير في قوة عربية مشتركة تواجه الإرهاب وتحافظ على الاستقرار، وهو ما اقترحته مصر بعد أن حصر التحالف الأميركي الغربي نشاطه في العراق وسوريا، تاركاً ليبيا واليمن وغيرهما من مناطق الخطر في العالم العربي تنزلق إلى مستنقع الحرب الأهلية والانقسام الداخلي. وكانت هناك التحفظات من جانب دول عربية، والرفض من جانب من لا يريدون أي تجمع عربي لمواجهة مخططاتهم وضرب تآمرهم.
وكان ذلك سينعكس بالطبع سلباً على مناقشة الموضوع في القمة العربية.
ثم جاءت «عاصفة الحزم» لتقول إن الفرقة ليست هي المصير الحتمي للعرب، وأن ما بدأ في 30 يونيو حين استعاد شعب مصر وجيشها الدولة والثورة من يد إخوان الإرهاب، ثم وقوف الإمارات والسعودية والكويت إلى جانب هذه الخطوة بكل إمكانياتهم. لم يكن مجرد مصادفة تاريخية، بل كان قراراً استراتيجياً أنقذ مصر وأعاد الأمل في الصمود العربي، في وجه الإرهاب والتآمر ومحاولات التقسيم وفرض الهيمنة من جانب القوى الدولية والإقليمية المعادية في غياب العرب وانقسام صفوفهم.
مشكلة هذه القوى الدولية والإقليمية أنها ترى أن «الغياب العربي» هو القاعدة التي ينبغي أن تعتمد عليها هذه الدول في رسم سياستها وفرض مخططاتها. وما حدث في اليمن (وقبلها في العراق وسوريا وليبيا باختلافات في التفاصيل) كان عنواناً لذلك.
واللافت هنا هو أن اللعب كان بكل الأوراق وكأننا في سباق مع الزمن يريد البعض فيه أن يثبتوا أقدامهم وأن يفرضوا واقعاً جديداً يكون هو الأساس لتقاسم النفوذ في بلاد العرب، هكذا أطلقت داعش وأخواتها بدعوى الدفاع عن «السنة» وأطلقت جماعة الحوثيين في اليمن بدعوى مقاومة «القاعدة»، كما أطلقت الميليشيات في العراق بدعوى مقاومة الدواعش!!
كان المطلوب أن تُحاصر دول الخليج بالتحديد من اليمن إلى العراق وسوريا إلى باب المندب من الناحية الأخرى، لتصبح مصر أيضاً رهن الحصار من إرهاب يجتاح ليبيا ويحاول الاستيطان في سيناء، ومن تهديد لقناة السويس بمحاولات الإرهاب على الحدود أو بالتمكن من باب المندب والبحر الأحمر. وهنا تأتي «عاصفة الحزم» بالكثير من الإجابات على ما نواجهه من تحديات، وعلى ما يدبر من مؤامرات، وما يتم استهداف تحقيقه من مخططات. ** تأتي «عاصفة الحزم» لتقول إن «الغياب» عن الفعل ليس قدراً مكتوباً على العرب وأن من راهنوا على ذلك واستباحوا أرض العرب وحاولوا ـ وما زالوا ـ تدمير دول عربية عريقة هم الذين يتحملون نتائج فعلهم ويدفعون فواتير المؤامرة.
** وتأتي «عاصفة الحزم» لتقول إن العرب واعون لحجم ما يدبر من مؤامرات وما يعقد من صفقات مشبوهة وأنهم قادرون على التصدي لها إذا امتلكوا الإرادة التي تتجلى الآن للمرة الثانية، بعد أن تجلت «بصورة أخرى» في الوقوف إلى جانب شعب مصر وجيشها، وهم يستعيدون مصر العزيزة من براثن إخوان الإرهاب وحكمهم الفاشي الذي كان.
وتأتي «عاصفة الحزم» لتقول إن التحالف العربي ممكن، وأنه ضروري في مواجهة الأخطار التي تحيط بالعالم العربي الآن.. ورغم أن الطريق لبناء القوة العربية المشتركة التي اقترحتها مصر وأقرتها القمة العربية من ناحية المبدأ أكثر صعوبة وتعقيداً، إلا أنه علينا أن نقر بأن ما كان ممكناً أن يعود الحديث في القمة العربية عن «اتفاقية الدفاع المشتركة» بعد 65 سنة من التجميد، لولا هذه اليقظة العربية في مواجهة أخطر ظروف واجهها العرب في العصر الحديث.
الآن.. يكتشف العرب أنه لا بديل عن القوة الذاتية في مواجهة الخطر وصد التآمر.
لقد جربوا كل شيء بما في ذلك الاعتماد على القوى الكبرى الحليفة، فإذا بها ترعى عصابات الإرهاب لتستخدمها في تنفيذ مخططاتها، وإذا بها تعقد الصفقات المشبوهة على حساب العرب الذين طال سكوتهم حتى اكتشفوا الحقيقة الأساسية بأنه لا بديل عن بناء القوة الذاتية، ولا حماية إلا بالتمسك بالعروبة. ** ويبقى أن يكتمل المشهد من خلال استراتيجية واضحة، تؤكد أن القوات العربية وشعب اليمن كله جبهة واحدة في مواجهة عصابات التطرف «أياً كان الرداء المذهبي الذي تتستر تحته» وفي مواجهة محاولات الهيمنة الخارجية من قوى تريد توسيع نفوذها على حساب العرب، وتريد توطيد مركزها في الصفقات التي تعقدها ولو بدم الضحايا من العرب الذين يسقطون بفعل هذه السياسات في طول الوطن العربي وعرضه. استراتيجياً أيضاً ينبغي أن يكون أحد أسسها المهمة أننا ـ بعملية عاصفة الحزم ـ نفتح الطريق فقط أمام أشقائنا في اليمن بكل مكوناتهم لكي يتفقوا على خطة المستقبل لبلادهم، وأن دورنا هو المساعدة على التوافق وعلى إنجاز ما يتم الوصول إليه من اتفاقات لبناء اليمن الجديد المعتز بعروبته، والذي يمثل إضافة أساسية للقوة العربية.
مطلوب أن تكون «عاصفة الحزم» إعلاناً بقدرة العرب على الفعل ومواجهة الخطر، وأن تفهم كل القوى الخارجية أن لا ولاية لأي قوى خارجية على أي طائفة عربية، ولا نفوذ لأجنبي على أرض عربية. ولا عزاء لمن يرون أحلامهم الهمايونية تنهار في اليمن، فيدركون أن عليهم انتظار الهزيمة في جبهات أخرى، وأن عليهم أن يفهموا الدرس ويفهموا أن زمن سقوط العواصم العربية قد انتهى!!
&
التعليقات