&ظافر محمد العجمي

&
تشترك دول الخليج وروسيا في التناهي في الكبر والتناهي في الصغر من حيث المساحة وعدد السكان. ورغم ذلك يمكن أن تشكل نموذجا ناجحا لعلاقات دولية عمادها التعاون والتكافؤ. ففي الماضي البعيد تجاوزت روسيا بحارها المتجمدة وتتبعت وصية القيصر الروسي بطرس الأكبر للمضي قدماً لإيجاد موضع قدم لها بالمياه الدافئة. وبدأت المصافحة الأولى بوصول تجار الفراء والجلود للخليج عبر البصرة، ما دفع بريطانيا للتدخل المباشر «لأن ميناء روسيا في الخليج العربي يجلب الاضطراب ويؤدي إلى إخلال التوازن ويؤدي إلى تدمير تجارة بريطانيا» كما قال اللورد كيرزون نائب الملك في الهند. ونجحت بريطانيا في تحجيم الأحلام الروسية بالقوة، ما جعلهم يتلقفون اتفاقية 1907م كمكسب كبير حيث تقرر بموجبها تقسيم إيران إلى منطقتي نفوذ: بريطانية بالجنوبية وروسيّة بالشمالية. وانتهت التحركات الروسية، ما خلق نوعا من القطيعة مع الخليجيين، تبعها انكفاء الروس داخل فوضى الثورة الشيوعية 1917م. وفي زمن الحرب الباردة برزت الاعتبارات الأيديولوجية والمبادئ أكثر من الاعتبارات الاستراتيجية أو المصالح. وساد شعور بسوء الظن والشك، فأضرار الاتحاد السوفيتي في الخليج أكثر من نفعها، وليس هناك جدوى على إجراء حوار معهم. ناهيك عن انحياز دول الخليج القوي تحت الحماية البريطانية للغرب. ورغم تميز الممارسة السياسية الدولية خلال فترة الحرب الباردة بالاستقطاب، إلا أن المواقف السياسية والعلاقات الثابتة والمتحولة لهذه القوى ظلت تبنى على المصالح والمتغيرات النفعية في الأساس. فكان الاتحاد السوفيتي أول دولة غير عربية اعترفت بالسعودية وأقام معها علاقات دبلوماسية 1926، لكنه رفض دخول الكويت للأمم المتحدة 1961م وهو موقف كان موجها ضد بريطانيا الحليف الأقوى لواشنطن، ثم تغير الموقف السوفيتي عام 1963م كلياً، فاعترفت موسكو بالكويت. وتم افتتاح سفارة سوفيتية في الكويت، وأول سفارة كويتية وخليجية في دولة شيوعية، لكن السوفيت حصلوا على وديعة مالية بحوالي 700 مليون دولار، بل إن السوفيت لم يترددوا عندما رفضت واشنطن بيع صواريخ ستينغر للكويت، فباعوها صواريخ سام7 وسام8 وذهب رجال الدفاع الجوي الكويتي للتدرب هناك 1984، بل ورفعت روسيا أعلامها على سفن كويتية لتحميها من إيران إبان حرب الناقلات فمنحت الكويت الروس فرصة الوصول للمياه الدافئة على الخليج العربي. وإبان حرب تحرير الكويت اتّسم سلوك السوفيت من الغزو بقدر من الغموض فتحاشوا الحرب ثم شاركوا في حصار بغداد بوقف إمداداته التسليحية والسلعية ووافقوا على قرار استخدام القوة. واليوم تختلف الجهود السياسية المتعلقة بتسوية النزاعات بين الخليج وروسيا في قضايا عدة اختلافا حادا وكأن الحرب الباردة عادت هذه المرة بين روسيا والخليج، وليس بين روسيا والغرب. ففي البرنامج النووي الإيراني لا ترى روسيا نفسها معنية بتبديد مخاوف دول الخليج حياله ثم باركت نتائج اتفاق أبريل 2015م فورا، بل وأزالت التفوق الجوي الخليجي ضد إيران ببيعها بطاريات S300 القادرة على إسقاط كل ما يطير من الفراشة إلى القمر الصناعي. وفي القضية السورية ترى موسكو شرعية النظام السوري واستبعاد من تصفهم بالجماعات الإرهابية.

بالعجمي الفصيح
إن عدم انسجام موسكو مع الخليج في ملف اليمن لا يعود لاختلاف الموقف الروسي الرافض للحرب ضد الحوثيين وصالح لتخوفها من اختلال التوازنات الإقليمية فحسب، بل يعود لعدم الثقة المتراكم طوال قرن، فقد اجتازت موسكو القيصرية والسوفيتية ثم الاتحادية بحارا متجمدة وحروبا باردة للوصول إلى الخليج، متنكبة البراجماتية الأنانية حيناً والأيديولوجية ضيقة الأفق حيناً آخر. ورغم زوال العقبة الأيديولوجية بانهيار الاتحاد السوفيتي التي كانت تعيق العلاقات سياسيا واقتصاديا، ثم زوال النفور الاجتماعي الخليجي من الملاحدة السوفيت، إلا أن أشرعة السفن الخليجية ما زالت تتمزق قبل وصولها إلى موسكو. فهل نحتاج لربابنة بمؤهلات دبلوماسية تحقق اختراقا كالذي أحدثه فريق أوباما مع طهران؟ أم دبلوماسية جديدة هي السفن التي ستوصلنا لموسكو، أم نُيَمّم ناحية موانئ أخرى؟