وحيد عبد المجيد

تتسم خريطة الإرهاب في منطقتنا بسيولة غير مسبوقة نتيجة انتقال شباب من تنظيم إلى آخر، وارتباط بعضهم بأكثر من تنظيم، فضلاً عن ازدياد أعداد الإرهابيين غير المنَّظمين (الذئاب المنفردة).

وتمثل مذبحة متحف باردو التونسي في 18 مارس الماضي حالة بالغة الدلالة على صعوبة وضع حدود فاصلة بين تنظيمات الإرهاب، سواء التنظيمين الأكبر الآن، «داعش» و«القاعدة»، أو التنظيمات المحلية المرتبطة بهذا أو ذاك أو تعمل في استقلال عنهما.

&

ويظهر ذلك من خلال الاختلاف الواضح بين تقدير السلطات الأمنية التونسية لخلفيات منفذي عملية متحف باردو، وما أعلنه تنظيم «داعش» أو نُسب إليه دون أن ينازعه أي من التنظيمات الأخرى فيه.

فقد كان التقدير الرسمي التونسي منذ البداية أن مجموعة «عُقبة بن نافع» المرتبطة بتنظيم «القاعدة»، هي التي وقفت وراءها وجهَّزت الشابين اللذين نفذاها (ياسين العبيدي وجابر الخشناوي). كما حددت منذ البداية «سيناريو» العملية، وكيف غادر الشابان تونس إلى ليبيا نهاية العام الماضي حيث تدربا على استخدام الأسلحة في معسكرات جماعة «أنصار الشريعة» المرتبطة بتنظيم «القاعدة».

ولم يغير تبني «داعش» العملية، في تسجيل صوتي تم بثه عبر «الإنترنت»، هذه الرواية الرسمية التونسية. فقد جاء في التسجيل ما يُفيد بأن الشابين المذكورين بكنيتيهما (أبو زكريا التونسي وأبو أنس التونسي) يرتبطان به. وتضمن بعض التفاصيل الدقيقة عن العملية، ما يجعل من الصعب التشكيك في علاقة من بثوه بـ«داعش». وظهرت في هذا التسجيل «اللغة الطائفية» التي يتسم بها خطاب «داعش» أكثر من «القاعدة»، إذ وصف ضحايا العملية بأنهم «صليبيون».

والحال أن للرواية التونسية الرسمية التي تربط العملية بمجموعة مرتبطة بـ«القاعدة» أساسها في الواقع. كما أن بيان «داعش»، الذي تبنى العملية عبر التسجيل الصوتي، ليس بعيداً بدوره عن الواقع. ويصعب تفسير هذه الحالة المعقدة دون إدراك السيولة التي يتسم بها قطاع أساسي من العمل الإرهابي حالياً. فوفقاً للقدر المتيقن من المعلومات، كان منفذا العملية ينتميان إلى مجموعة «عُقبة بن نافع» المرتبطة بـ«القاعدة» عبر إحدى خلاياها المسماة «الشباب المجاهد». غير أن هذه الخلية تم تفكيكها نتيجة ضربات أمنية بعد فترة قصيرة من التحاق هذين الشابين بها. ولما كان الخشناوي والعبيدي حديثي العهد في مجال الإرهاب، فالأرجح أنهما التحقا بأول خلية سعت لتجنيدهما دون أن يكونا في موضع اختيار بين مجموعات أو تنظيمات متعددة. لذلك فعندما تم تفكيك هذه الخلية (الشباب المجاهد) المرتبطة بتنظيم يتبع «القاعدة»، كانا مستعدين للعمل مع أول مجموعة تسعى لتجنيدهما.

والأرجح أن إحدى المجموعات التي انشقت على «عُقبة بن نافع» و«القاعدة» والتحقت بـ«داعش» هي التي نجحت في «صيدهما» واستغلال استعدادهما لتنفيذ أي عمل إرهابي، وأرسلتهما إلى ليبيا حيث تلقيا تدريبات في أحد المعسكرات.

وليس هناك تعارض في المحصلة بين أن تكون هذه المعسكرات تابعة لتنظيم «أنصار الشريعة» المرتبط بـ«القاعدة»، وانتماء من أرسلوا الشابين إلى تنظيم «داعش». فقد كان الإرهاب كله في منطقة المغرب العربي مرتبطاً بتنظيم «القاعدة» قبل أن تلتحق قطاعات من هذا التنظيم والمجموعات المنتمية إليه بتنظيم «داعش».

ورغم وجود صراع واضح بين قيادتي تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، فهو لا يمنع حدوث تعاون بين من تركوا أولهما وانضموا إلى الثاني في هذه المنطقة أو تلك عند الضرورة. والأرجح أن هذا هو ما حدث في عملية متحف باردو، التي تُعد أبرز مثال حتى الآن على حالة السيولة التي ينبغي أن نلم بها في دراستنا للإرهاب الراهن، كما في تحديد استراتيجيات مواجهته.
&