&تركي التركي من الرياض

&


"ألا يكفي أن اسمه صلاح الدين" هكذا يعبر أحد الأكراد الفرحين بفوز حزب الشعوب الديمقراطي المناصر للأكراد وبانتصار زعيمه صلاح الدين دمرداش، في إشارة من هذا المواطن التركي إلى تشابه الأسماء بين قائد الحزب وبين صلاح الدين الأيوبي القائد الإسلامي الشهير من أصل كردي.

وبحسب كثير من المراقبين، فإنه إن كان هناك زعيم للمعارضة يمكن مضاهاة شخصيته الكاريزمية بشخصية أردوغان فسيكون صلاح الدين دمرداش زعيم حزب الشعوب الديمقراطي. فهو يبدي نجاحا في كسب ود اليسار ويسير بحزبه في دروب تتجاوز جذور القومية الكردية، إذ يدفعه لدخول البرلمان لأول مرة على حساب حزب العدالة والتنمية. "لقد فاز أنصار الديمقراطية والسلام. أما أولئك الذين يريدون الاستبداد، المتغطرسون الذين يعتبرون أنفسهم مالكي تركيا الوحيدين، فقد هزموا". هكذا أعلن دمرداش في مؤتمره الصحفي واعداً أنصاره بأنه "لن يخيّب أملهم" بعد إعلان نتائج الانتخابات التشريعية التي تجاوز فيها حزبه عتبة 10 في المائة المؤهلة لدخول البرلمان. وفي المقابل يبدو أن أنصاره على ثقة مطلقة بهذا القائد الشاب، إذ يعلن أحدهم في تفاؤل واضح بكاريزما ومستقبل هذا الشاب "انتظروه في الجزء الثاني من انتخابات تركيا".

صلاح الشاب أو "تلميذ أوجلان" كما يلقبه بعض محبيه لفت الأنظار إليه وإلى قدراته السياسية والخطابية أخيرا من خلال الحملة الانتخابية الأخيرة التي استطاع أن يراهن فيها على قدرة الأكراد على الاندماج في المجتمع التركي بكافة أطيافه، بعكس ما كان يروج له كثير من الأحزاب. فما يحسب لصلاح وحزبه تحديدا أنه لم يكتف بمناصرة الأكراد والتعاطي مع الحزب بناء على رغبات الكتلة الصوتية المضمونة "الأكراد". لكنه سعى أيضا ليكسب ود كثير من الأقليات والجماعات التي خسر تأييدها أردوغان، مؤكدا علمانية تركيا ومرجعية الزعيم القومي مصطفى كمال أتاتورك، بالنسبة للأكراد، فكان أن شوهد مناصرو الحزب يحملون صور أتاتورك جنبا إلى جنب مع صور عبدالله أوجلان الرمز الكردي المعتقل، في سابقة أولى إذ عرف عن الأكراد تحميلهم "أتاتورك" كثيرا من أسباب معاناتهم التاريخية والسياسية.


رفعت أعلام تركيا وصور أتاتورك جنبا إلى جنب مع صور عبدالله أوجلان في سابقة أولى من نوعها في البلاد.

ولد دمرداش في مدينة معمورة العزيز شرق تركيا عام 1973. تخرج من كلية الحقوق في جامعة أنقرة ومارس المحاماة مباشرة، كما كان عضواً لفترة في اللجنة التنفيذية لفرع دياربكر لمنظمة حقوق الإنسان التركية التي تأسست عام 1986، قبل أن يترأسه ثم يشكل مع آخرين جمعية حقوق الإنسان التركية ويؤسس مكتب دياربكر لمنظمة العفو الدولية. صلاح الدين دمرداش، مرشح الشعب من أجل التغيير، متزوج من بشاك دمرداش وهو أب لبنتين، دلال وديلدا. ويتحدث كذلك اللغة الزازاكية. وقد اشتهر بتصريحاته في أوقات سابقة بأن الطريق نحو السلام في المسألة الكردية في تركيا يمر عبر الإفراج عن عبدالله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني، المحظور في تركيا والمصنف كجماعة إرهابية.

وأضاف دمرداش "إذا كان حزب العدالة والتنمية يريد السلام حقاً، فعليه أن يعمل لذلك، وعليه أن يبذل مساعي أكثر إذا كان حقاً يريد حقن الدماء بالمستوى الذي نسعى نحن إليه، واليوم فإن أهم طريق نحو السلام يمر عبر جزيرة إيمرالي. ومن الصعوبة بل ومن المستحيل ضمان السلام ما دام أوجلان باقياً في إيمرالي. واليوم نجد الطريق مفتوحاً لفتح النقاش وبحرية مع أوجلان".

بدأ دمرداش حياته السياسية عضواً في حزب "المجتمع الديمقراطي" اليساري الكردي عام 2007 ونائباً عنه في البرلمان قبل أن تحظره المحكمة الدستورية العليا عام 2009 بحجة ارتباطه بحزب العمال الكردستاني. أصبح لاحقاً نائباً عن حزب "السلام والديمقراطية" اليساري الكردي الذي حظرته المحكمة للأسباب ذاتها، ثم أسس مع الصحافية والناشطة النسوية فيجي يوكسيكداج حزب "الشعوب الديمقراطي" عام 2014 الذي يحاول تجميع أجنحة اليسار السياسي في حزب واحد. خاض دمرداش الانتخابات الرئاسية التركية عام 2014 وحل ثالثاً بـ 9.77 في المائة من الأصوات.

أما ما يعطي حزب "الشعوب الديمقراطي" - وفقا لكثير من المحللين السياسيين- فرصا أفضل في أي انتخابات مقبلة، فتكونه من طيف واسع من الانتماءات العرقية والدينية وغيرها، وبمحاولته تجميع الاتجاهات اليسارية الراديكالية وتمثيل غير الممثلين ضمن الأحزاب التقليدية الموجودة. ورغم أنه يتمتع بقاعدة شعبية كردية عريضة تدفع لوصفه أحياناً بـ "الحزب الكردي" إلا أنه يتيح تمثيلاً مميزاً كذلك للأرمن وأنصار البيئة والنساء ضمن بوتقة يسارية راديكالية شعاراتها "السلم، الديمقراطية، الاشتراكية".

يبقى أن التحدي الرئيس الذي يواجه الحزب وقائده دمرداش، الذي كسبه، ولو مبدئيا، من خلال النتائج الأخيرة، إضافة إلى تثبيت وجوده على الساحة السياسية التركية، فهو محاولة تجنب السلاح المسلط على الأحزاب الكردية في تركيا أي الحظر من قبل المحكمة الدستورية العليا بدعوى الارتباط بحزب العمال الكردستاني الذي تعتبره أنقرة حزباً إرهابياً. لذا، يوسع الحزب اليوم من قاعدته الشعبية ويعمل على استقطاب الدعم الخارجي بانضوائه كذلك في تحالف معنوي للأحزاب اليسارية الصاعدة في بلدان أوروبا الجنوبية، خاصة "سيريزا" في اليونان و"بوديموس" في إسبانيا.
&