حسن بن سالم

عملية الإعدام الجماعية، التي نفذها تنظيم «داعش» أخيراً في حق أكثر من 20 شخصاً يرتدون ملابس عسكرية قال إنهم جنود في جيش نظام بشار الأسد، على أيدي مراهقين وأطفال يرتدون زي التنظيم ويطلقون النار عليهم حتى الموت، في حين كان يجلس نحو 100 شخص في مدرجات المسرح الروماني الأثري بمدينة «تدمر»، التي سيطر عليها التنظيم، لأجل حضور مهرجان الإعدام الجماعي، وليكونوا شهود عيان على إصدار «ويشف صدور قوم مؤمنين»، الذي بثه المكتب الإعلامي التابع للتنظيم.

&

استرعت جريمة الإعدام أنظار الكثيرين؛ نظراً إلى بشاعتها ومدى وحشيتها، إلا أن كثيرين ربما لم يلتفتوا أو يكترثوا إلى أعمار منفذي تلك الجريمة، الذين لم تتجاوز أعمار معظمهم الـ15 من العمر، في صورة تجسد المدى الذي بلغه التنظيم في تجنيد واستغلال الأطفال في تحقيق أغراضه وأهدافه، وتحويل أولئك الأطفال والمراهقين إلى مجرد آلة للقتل وإزهاق الأرواح. جزماً ليس «داعش» هو من بدأ عمليات تجنيد الأطفال وإشراكهم في الحروب والقتال، فقضية تجنيد الأطفال، الذين لم تتجاوز أعمارهم سن الـ18 واستغلالهم بشكل مباشر أو غير مباشر في الصراعات والنزاعات المسلحة قديم قدم ظاهرة العنف المجتمعي، والحروب التي مرت على جميع حقب التاريخ البشري.

&

وقد برز استغلال الأطفال وإجبارهم على المشاركة في أعمال غاية في الوحشية، في العقود الماضية في عدد من الصراعات الدموية والحروب العرقية، سواء من قوات نظامية، أم منظمات وميليشيات، فحرب الإبادة التي جرت في كمبوديا منتصف السبعينات على يد حزب الخمير الحمر، والتي ذهب ضحيتها أكثر من مليون ونصف المليون من الكمبوديين، كان خُمسَ الجنود الجرحى والقتلى أطفال تتراوح أعمارهم بين عشرة أعوام و14 عاماً، وهكذا تم استغلال وتجنيد الأطفال في صراعات عدة في دول نامية، كفيتنام وسيراليون والكونغو الديموقراطية وأنغولا ورواندا وموزمبيق ونيبال وسريلانكا وأوغندا وجنوب السودان والصومال وإيران وأفغانستان والعراق، وتفشيها أخيراً في اليمن وسورية، وذلك من مختلف أشكال المعارضة المسلحة والمجموعات القتالية، كداعش والفصائل الإسلامية المتطرفة وميليشيات الحشد الشعبي والقوات الكردية، ولا يقتصر على المجموعات الجهادية، بل يتجاوزها إلى النظام السوري، إذ يقاتل عدد من الأطفال السوريين إلى جانب النظام ضمن ميليشيات الدفاع الوطني، إلا أن الجديد الذي جاء به تنظيم داعش الإرهابي هو التبجح والتفاخر في تبني هذه الظاهرة، إذ أصبحنا من خلاله نرى كيف يتم ويجري تجنيد المئات من الأطفال والزج بهم في معاركها، في وقت معظم التنظيمات والميليشيات تحاول التنصل من هذه الجريمة المدانة دولياً ومن تبعاتها.

&

قبل أكثر من عام - تحديداً - بدأت التفاصيل تظهر عن تجنيد تنظيم داعش للأطفال وتدريبهم على القتال؛ لصنع ما يمكن اعتباره جيلاً من المقاتلين الأشداء المدربين، في معسكرات ما أطلق عليه التنظيم معسكرات «تدريب الأشبال»، و«أشبال الخلافة»، إذ يجبر الأطفال على الدراسة وفقاً لمنهاج فريد من نوعه، بإخضاع الأطفال لدورتين (شرعية وعسكرية)، ويعمد في «الدورة الشرعية» إلى ترسيخ «عقيدة التنظيم وأفكاره» في عقول الأطفال المنضمين، وقد أظهر التنظيم اهتمامه بالمدارس، إذ كانت هدفاً محورياً منذ فرض سيطرته على المناطق، ويتم فيها تدريس مناهج تعليمية مع رؤيته الدينية، فيما يقوم بتدريب الأطفال في الدورة العسكرية على استعمال الأسلحة والرمي بالذخيرة الحية وخوض الاشتباكات والمعارك والاقتحامات؛ ليصبحوا مقاتلين ومحاربين في جبهاته القتالية.

&

ونشر التنظيم في موقع «يوتيوب» وفي مواقع التواصل الاجتماعي عشرات الفيديوات التي تظهر الكيفية التي يتم فيها تدريب الأطفال على العنف وتعليمهم طرق القتال والذبح والتفجيرات، وغيرها من الأفعال الوحشية التي يشتهر بها «الدواعش»، ولم تقتصر فظائع «داعش» على استخدام الأطفال؛ لتنفيذ العمليات الانتحارية أو إلى استعمالهم دروعاً بشرية، بل حولهم التنظيم أيضاً إلى قتلة وسفاحين، وإذا كان تقرير الأمم المتحدة الذي نشر في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي سلط الضوء على استخدام «داعش» الأطفال ما دون الـ18 جلادين وقتلة، متحدثاً عن المقاتل الذي يبلغ عمره 16 عاماً، الذي نفذ عملية قطع رأس جنديين، كان التنظيم اختطفهما من «قاعدة الطبقة الجوية» في أواخر آب (أغسطس) عام 2014، في «الرقة»، فإن «داعش» اليوم، من خلال تلك الحفلة الدموية بالمسرح الروماني، حول العشرات من المراهقين والأطفال إلى سفاحين وقتلة، ووفقاً لتقرير صادر عن اللجنة السورية لحقوق الإنسان، نشر في أغسطس، فإن ما لا يقل عن 800 طفل تحت سن الـ18 جندوا من التنظيم، وأن هذا العدد في تزايد.

&

«داعش» يهدف من تجنيد وتدريب الأطفال والصغار، بشكل مؤسسي لا عشوائي، إلى ضمان خلق جيل من المقاتلين من الأطفال أكثر دموية عنفاً وشراسة مما عليه مقاتلو التنظيم، وإلى استدامة وجوده حتى الجيل المقبل، والتهيئة لحرب طويلة الأمد، ما يجعل أمر القضاء على «داعش» مستقبلاً أمراً في غاية الصعوبة، هؤلاء الأطفال الذين يتم اغتيال طفولتهم، ويزج بهم في أتون وساحات المعارك هم كما وصفهم الجنرال السابق في قوات حفظ السلام في الكونغو، بعد حربها الأهلية، روميو دالير، في كتابه «يقاتلون كالجنود ويموتون كالأطفال»: السلاح الأمثل في الحروب؛ لأن لديهم القابلية لتعلم أشياء جديدة أكثر من البالغين، وتكلفة إعدادهم قليلة مقارنة بالأكبر منهم سناً. كما أنهم يبدون ميلاً إلى الطاعة، سواء بدافع الخوف أم الترغيب، ويتمتعون بخفة في الحركة تتيح لهم التنقل براحة في الجبهة، ونقل الطعام، والعمل بمثابة مخبرين عن أهلهم وأصدقائهم، وصولاً إلى استعمالهم أدوات جنسية ودروعاً بشرية» وهنا يتعين علينا أن ندرك أن العدد وحده ليس هو ما يعكس خطورة المسألة، بل الخلفيات الكامنة وراء تجنيد الأطفال، وانعكاساتها عليهم وعلى مجتمعاتهم، حالياً ومستقبلاً.
&