غسان الإمام

قد تستطيع أن تتحمل الحرب. لكن من الصعب أن تتحمل السخف. عندما انتهت الحرب الباردة قبل ربع قرن، تكهن كبار المعلقين الأغبياء، بعالم سعيد خال من الحروب. وصراع الآيديولوجيات. وصداع الأزمات المالية.
شهد عصر الحرب الباردة (1989/1945) أزمات ساخنة. حبس البشر أنفاسهم إزاء احتمال المواجهة النووية بين الغرب الرأسمالي والشرق الماركسي. ثم اكتشفوا استحالة استخدام القنبلة النووية، بعدما جربتها أميركا ترومان في يابان هيروشيما وناغازاكي. ولم يسمح ستالين. وآيزنهاور. وكيندي. وخروشوف. ونيكسون. وكارتر. وريغان. وغورباتشوف. بأكثر من أزمة واحدة بين حين وآخر.


وداعا للحرب الباردة. فنحن نعيش اليوم في عصر فوضى عالمية. وحروب إقليمية ساخنة. وأزمات مالية كبراكين متفجرة في وقت واحد. أين زعماء العالم اليوم من حكمة راعي الغنم خروشوف الذي وضع حذاءه أمامه في مجلس الأمن، متوعدا بسباق سلمي مع الغرب، لدفن الرأسمالية بلا حروب؟!
أعصاب البشر اليوم متوترة بتعددية أزمات وحروب. وكلها لا تجد ساسة. وزعماء. وجنرالات قادرين على حسمها. فيتولى الدبلوماسيون تقديم تسويات لها، أشبه بالأسبرين الذي يخفف الآلام. ولا يشفي المريض.


ما الذي حدث؟! الناس دود على عود. فقد تكاثروا. ويرفضون أن يموتوا. فيعيشون حياة أطول حافلة بأمراض الشيخوخة. الساسة. ورجال المال والأعمال. وتكنوقراط الإدارة هم السبب في تدمير البيئة. فقد اقتلعوا الأشجار في الشارع الذي أسكنه، ليبنوا مرآبا (باركنغ) للسيارات. أما تصريحات ميركل. وكاميرون. وأوباما. وخامنئي. ونتنياهو، فهي السبب في تمزيق طبقة الأوزون فوق رؤوسهم. فتتعرض رؤوسنا للاحتراق بأشعة الشمس فوق البنفسجية. لا دخان بلا نار. براكين الأزمات تطلق دخانا أبيض وأسود. فلا تعرف إن كانت الأزمات والحروب تنتهي أو تتجدد، بهذه التسويات الهشة والغامضة. تساءل ستالين يوما كم فرقة يملك البابا؟ جاءه الجواب متأخرا. ها هو البابا فرنسيس يريد أن يشفي الرأسمالية والبيئة بالتراتيل. والأدعية. والصلوات، في كنائس فارغة من المؤمنين.


انهارت الثقة بين الزعماء. أوباما يتنصت على هاتف المستشارة الألمانية ميركل. وبوش الابن استرق السمع على مكالمات شيراك. وساركوزي. الأمناء على الأسرار يخترقون ذاكرة الكومبيوتر. فينشرون على الإنترنت عشرات ألوف الوثائق السرية عن العلاقات بين الدول. وكالة الأمن الوطني الأميركية تتجسس على مكالماتك. فتفتح ملفا لك. لا فرق إن كنت مهما أو هامشيا.


تعال معي نستعرض أزمات العالم التي لا تنتهي. مات ملايين الأوكرانيين مع 26 مليونا من أشقائهم الروس السلاف في آخر الحروب العالمية. أعادوا بحس إنساني نبيل الأسلحة النووية إلى روسيا التي خسرت الحرب الباردة. فتقدم عسكر «الناتو» لاستيعاب أوكرانيا والدول المجاورة. الغرض محاصرة روسيا مجددا!
نشبت حرب أهلية في أوكرانيا. فأسقط أنصار بوتين طائرة ركاب مدنية. بصاروخ روسي. فقتل أكثر من مائتي راكب بريء. واست أميركا وأوروبا أهالي الضحايا بفرض حصار اقتصادي ومالي على روسيا. فرد بوتين بدعم مجازر خامنئي. وبشار. وحسن نصر الله في سوريا!
الحضارة الفارسية استفزازية هجومية. لها سوابق تاريخية منذ الملا قمبيز. وداريوس. وكسرى، في غزو المشرق. واليمن. والعراق. ومصر. كلف خميني شركة بريطانية بصنع مفاتيح علقها في رقاب أجيال إيرانية شابة. فأفناهم في محاولة اختراق العراق، للوصول إلى القدس و«تحريرها» من اليهود. ثم مات مغموما، لاضطراره إلى وقف حرب السنوات الثماني مع صدام.


بطانة الأكاديميين الإيرانيين في الجامعات ومراكز البحوث الأميركية، أقنعت رئيسا غربيا قادما من هونولولو، بالتوصل إلى تسوية سياسية مع إيران: تأجيل القنبلة. في مقابل الإفراج عن 120 مليار دولار محجوزة في المصارف الغربية. وإيران بأمس الحاجة إليها، لتمويل حروبها لاختراق العرب، في المشرق والخليج. واليمن. هؤلاء الأكاديميون قوميون متعصبون. لكن يعملون في خدمة نظام ديني يراهنون على سقوطه. لأنه «على نقيض مع العصر»، ليستأنفوا هم أنفسهم صنع القنبلة «من أجل السلام»!
28 دولة عربية لم تعرف إلى الآن تشكيل «لوبي» عربي في أميركا، لمواجهة مكائد اللوبيات الإسرائيلية والإيرانية. ما زالت العلاقة العربية مع أميركا تقوم على أساس صداقة شخصية بين سفير عربي عابر وساسة أميركا. بل ما زالت هذه الدول خائفة من مواجهة الاختراق الإيراني للعرب، باختراق مقابل لهشاشة التعددية العرقية والمذهبية «للشعوب» الإيرانية، من كرد. وترك. وعرب. وبلوش، محكومة بسلطة الهيمنة الفارسية.


من قال إن الحرب الجوية غير ناجحة في تأديب الحوثيين؟ إنه بان كي مون الذي تشجعه إدارة أوباما، من تحت لتحت، على المطالبة بوقف الحرب، بحجة «إغاثة» اليمنيين فقط، وليس لإنقاذ السوريين الذين يعانون من حرب إبادة منذ أربع سنوات، بلا إغاثة من بان كي مون وأميركا.


النصر في عدن تحد لإيران في ذروة فرحتها بالاتفاق النووي الأعرج. يتقدم جيش الشرعية والمقاومة الشعبية، لتحرير سائر الجنوب. السعودية ودول الخليج تعي تماما أهمية تحرير الشمال أيضا، لكي لا ترتفع أعلام فصل الجنوب الذي عانى من حكم المخلوع علي عبد الله صالح. لا ضرورة لنواح وعويل المعلقين بعد الاتفاق النووي. العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز برهن أمام العالم أن العرب قادرون على القتال، للدفاع عن كبريائهم المهدورة، ووطنهم الذي اخترقته إيران بثقافة المذهبية الدينية. أوباما بالنيابة عن خامنئي يحاول إقناع العرب بأن إيران ستلتزم بالقانون الدولي بعد الاتفاق النووي. ها هو خامنئي نفسه يكذب أميركا. فيعلن أن إيران لن تغير سياستها في المنطقة.
اليونان المفلسة لها ثأر قديم ضد ألمانيا قاطرة أوروبا الاقتصادية. فقد احتلها هتلر عندما أخفق زميله الفاشي بنيتو موسوليني، في احتلالها بخمسة ملايين حربة كان يهدد بها أوروبا. ثم تبين أنها حراب من عيدان «المعكرونا».


المشكلة في خواجات اليونان. فهم كالعرب ينفقون ما في الجيب. فلا يأتي ما في الغيب. غافلت اليونان الـ«يورو». فأفلست للمرة الرابعة. فأحالتها ألمانيا ميركل إلى شرطي العالم الرأسمالي (صندوق النقد الدولي) لإلزام اليونانيين بالتقشف ودفع الديون. وولفغانغ شوبل وزير مالية ألمانيا المقعد والمتحرك على كرسي المعوقين، يقلد أوباما بتوجيه النصائح اللاواقعية. فينصح اليونان بالتخلي عن اليورو. والعودة إلى الدراخما. لبس اليونانيون طاقية الإخفاء. أزاحوا اليمين المترهل. وأجلسوا يسار اليسار على تخت الحكم.


وقف ألكسيس تسيبراس قوميسار الحكومة تحت القبة البرلمانية، ليعلن رفض الشروط التقشفية التي ألزمته بها امرأتان أمام القمة الغربية: واحدة تقلد بسمارك في حكم ألمانيا. والثانية (كريستين لاغارد) التي تحكم صندوق النقد الدولي، خلفا لليهودي دومنيك ستراوس كاهن، الرجل الذي خسر منصبه. وترشيحه لرئاسة فرنسا. وزوجته التي طلقته. فقد اعتدى جنسيا على خادمة مسلمة في فندق بنيويورك.


لو بقي محمود درويش يتنفس الشعر، لأنشد ترتيلته التقليدية: يا رجال العالم. هلّلويا. رفقا بالقوارير! فهن آتيات ليحكمن عالم الفوضى، بألف ممدودة قضت على تاء التأنيث. ونون النسوة.