أحمد الغز
&

حضور الوزير الروسي إلى الدوحة وبالتزامن مع اجتماعات وزراء مجلس التعاون الخليجي والوزير الأميركي، يقطع الشك باليقين بأن إيران باعت أصدقاءها في اتفاقها النووي، وهي تريد أن تفاوض عليهم السعودية والخليج لأنها تعرف أن مستقبل الصراع لن يكون في مصلحتهم

&


بدأت في الأيام الماضية مفاعيل زيارة ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى مصر ولقائه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وصدور ما سمي بإعلان القاهرة على إثر الزيارة الحدث، وكانت أولى نتائج هذه الزيارة هي وصول وزير الخارجية الأميركي إلى القاهرة والشروع في محادثات استراتيجية تتعلق بالقضايا العربية والأمن القومي العربي الذي أحدثته عاصفة الحزم التي تتكاثف نتائجها يوما بعد يوم رغم تراجع النخبة العربية عن إدراكها حقيقتها ومتابعتها، بما هي اتجاه استراتيجي جديد وليست عملية عسكرية عابرة كما يعتقد معظم الإعلاميين والمحللين السياسيين، الذين اعتقدوا بأنهم تجاوزوا الحزم وانتقلوا كالعادة إلى متابعة الأخبار دون فهم عميق للتّحول الاستراتيجي الذي أحدثته عاصفة الحزم.
إن عاصفة الحزم هي بداية زمن عربي جديد يقوم على التكامل والمواجهة مع التحديات وحماية الداخل العربي من الاختراقات، وفي مقدمتها التدخل الإيراني الذي استسهل اللعب على حدود المملكة العربية السعودية، متناسيا الحزم في مسألة البحرين منذ البداية. اعتقدت إيران بأن ما حدث في سورية نتيجة حماقة الأسد يمكن أن يتكرر في اليمن، والحزم أيضا غيّر في طريقة التعامل العربي - العربي، وإن ما كان سائدا في بداية العملية من التباس حول مدى جدية الأطراف المشاركة في التحالف العربي حول اليمن، وهو نتيجة عدم الإدراك أن الخيار السعودي هو إعادة الاعتبار للعمل العربي المشترك على أن تتحمل كل دولة المسؤولية الأولى في قضاياها مع تضامن العرب معها، وإن الحدود السعودية هي في المرتبة الأولى قضية سعودية، وفي المرتبة الثانية هي قضية عربية.
إيران الآن لا تستطيع أن تتوسع في الحديث عن اليمن، فهي لم تقدم لحلفائها سوى القتل والدمار، وإيران هي المنتج الأول للإرهاب الذي أسقط العراق أولا بعد أحد عشر عاما من السيطرة الإيرانية المباشرة على العراق، وبدعم كامل من الجيش والحكومة الأميركية، إلا أن الفساد الإيراني المالكي والتسيّب في إدارة مقدرات العراق الذي كانت حكومته أشبه بميليشيا محتلة، سرقت الأموال ونكّلت بالشعب العراقي، سنة وشيعة وأقليات، ورفعت منسوب الحقد الطائفي حتى جاء يوم الحصاد، فضاع العراق من يد المالكي وإيران وأميركا خلال ساعات، مما استدعى قيام تحالف دولي عربي من اثنتين وثلاثين دولة لاستعادة العراق الذي ضاع لأتفه الأسباب.
وصل الوزير الأميركي إلى الدوحة للقاء وزراء مجلس التعاون الخليجي، وليجتمع مع نظيره السعودي عادل الجبير ومعهم الوزير الروسي لافروف الذي سبق الأميركي إلى الدوحة لبحث موضوع سورية واليمن وليبيا، وهذا يعني بوضوح أن الشأن العربي هو من اختصاص دول التحالف العربي الذي أصبح يمثل الآن دول الخليج مع مصر والأردن والمغرب كل النظام العربي الجديد، والقاطرة الحقيقية لإعادة الاستقرار إلى الدول العربية المضطربة وبدون استثناء. وكان من الملفت تسليم مصر طائرات أف ١٦ قبل وصول كيري إلى القاهرة.
حضر هذه الاجتماعات في الدوحة الرضيع الفلسطيني "علي الدوابشة" الذي أحرقه المستوطنون اليهود قبل أيام، وهو إلى حدّ بعيد يشبه محمد الدرة الذي أعاد العمل العربي الذي بسببه انعقدت القمة العربية الأولى بعد انقطاع دام تسع سنوات منذ احتلال العراق، وعادت إسرائيل مرة أخرى وبجريمة واحدة لتكون مجددا في طليعة الإجرام الذي يسود سورية والعراق واليمن وليبيا، ولا أعتقد بأن هذه الجريمة ستمر مرور الكرام، وسيكون لها ما بعدها من لهيب كبير وكبير جدا.
إن حضور الوزير الروسي إلى الدوحة وبالتزامن مع اجتماعات وزراء مجلس التعاون الخليجي والوزير الأميركي، يقطع الشك باليقين بأن إيران باعت أصدقاءها في اتفاقها النووي، وهي تريد أن تفاوض عليهم السعودية والخليج لأنها تعرف أن مستقبل الصراع لن يكون في مصلحتهم، فهي الآن تبحث لهم عن مخارج آمنة إلى حدّ ما، أو أن تحفظ ما تبقى منهم في أي عملية سياسية وتحديدا في سورية واليمن ولبنان، كل تلك التطورات التي حدثت خلال ساعات بعد زيارة ولي ولي العهد السعودي إلى القاهرة وصدور إعلان القاهرة، لذلك كنا نريد من النخبة فهماً أعمق لهذه الزيارة.

&

&