حسام عيتاني

تنتهي بعد ساعات الهدنة بين مقاتلي المعارضة السورية في الزبداني وبين قوات «حزب الله» وجيش النظام السوري. الهدنة التي تفاوض ممثلون سوريون مع مندوبين إيرانيين عليها وجرى تمديدها الى 72 ساعة، تدخل فقط ضمن إجراءات بناء الثقة بين طرفين يدركان مدى تصميم كل منهما على عدم التراجع عن مطالبه وإصراره على المضي في السعي إليها حتى النهاية.

&

وفي الوقت الذي كانت تجري المفاوضات في تركيا، رأى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن «الشعب السوري وحده من يقرر بقاء بشار الأسد» في منصبه وأن أولوية هذا الشعب اليوم هي «مكافحة الإرهاب».

&

قول شيء وقصد شيء آخر من ثوابت السياسة في هذا العصر. ومن غير المجدي تتبع المعاني التي يقصدها لافروف أو نظراؤه من سياسيي النظام السوري. الصدق ليس من مهمات وزراء تلوثت أيدي حكوماتهم ودولهم بدماء مئات الآلاف من القتلى المدنيين الذين يشكلون جزءاً من «الشعب» الذي أشار لافروف إليه.

&

مع ذلك المسألة ليست هنا، بل في رؤية مسؤولين إيرانيين يفاوضون مباشرة ممثلي المقاتلين الذين يدافعون عن بلدة شبه مدمرة يريد الإيرانيون الاستيلاء عليها بأي ثمن لهدف لا علاقة لمصالح «الشعب» السوري به. فينهض السؤال عما يريده حقاً هذا الشعب الذي يقاتل قوات النظام المدعومة من المسلحين اللبنانيين والعراقيين والأفغان والمستشارين العسكريين الإيرانيين، على ما تظهره الحقائق الميدانية من جهة، ويتمسك بنظام بشار الأسد على ما تقول تصريحات الوزير الروسي من جهة ثانية.

&

وليست هي المرة الأولى التي يفاوض الإيرانيون المقاتلين السوريين مباشرة. فقد تولوا تنظيم وضمان خروج مقاتلي المعارضة من حمص القديمة في 2014، بعدما أحال المسؤولون السوريون الوسطاء من أهل المدينة إلى السفارة الإيرانية في دمشق كمركز للعمليات في حمص وحيث يصدر القرار العسكري والأمني منها. ولم يكن الأمر سراً ولا مغفلاً بل إن الصور كانت تلتقط للضباط الإيرانيين وهم يقفون قرب المقاتلين المغادرين ونشرت وسائل الإعلام تلك الصور.

&

بهذه الصراحة أدار الإيرانيون معركة حمص. وبهذه الصراحة يديرون القتال في الزبداني. ثمة مصالح لهم في سورية منها إبقاء طريق دمشق– الساحل مروراً بحمص مفتوحة، وهو ما سعوا إلى تحقيقه في 2014، ومنها أيضا الحفاظ على طريق دمشق- بيروت في أيديهم إضافة إلى «غلاف لبنان»، أي المناطق السورية المحيطة بالحدود اللبنانية. لا يهمهم في ذلك إذا قتل آلاف السوريين من «الشعب» أو مئات المسلحين من حلفائهم في «حزب الله». العقل الاستراتيجي الإيراني البارد الذي توصل الى الاتفاق النووي في فيينا، لا يبالي بهذه التفاصيل.

&

تتغير في هذه الصورة تعريفات «الشعب». فيصبح المفاوض الإيراني في تركيا والمسلح اللبناني في الزبداني هما التجسيد الحقيقي للشعب السوري، وينقلب ابن بلدتي الزبداني وداريا وحي جوبر وغيرها الى ممثل لـ «الإرهاب» الذي وضع «الشعب» مكافحته في قمة أولوياته.

&

بهذا المعنى ليس الشعب تلك الكتلة السكانية التي انتفضت منذ أربع سنوات ونصف مطالبة بالكرامة والاعتراف بإنسانيتها وبحقها في التعبير عن نفسها، بل هو من يملك القدرة على الحفاظ على نظام بشار الأسد. يختفي هنا شعب الزبداني ويحضر بديلاً منه المفاوض الإيراني كممثل حقيقي لشعب يحدد هويته لافروف وأشباهه.
&