طلال آل الشيخ

نظام الأسد لم يعد يسيطر إلا على دمشق، وبعض أطرافها، باع البلد من أجل حفاظه على كرسي حكم ورثه بشكل غير شرعي، وبموجب تصويت سنده ممن يوصفون بـ"مصفقاتية" مجلس الشعب السوري، من أجل المحافظة على رائحة والده السفاح

&


حقبة الأسد الأب التاريخية حملت الكثير من المغالطات والقتل والقمع وسفك الدماء في الإدارة والحكم، وتجربة حماة خير شاهد على ذلك. قُتل الآلاف تحت ذريعة الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين تارة، أو محاولة قلب نظام الحكم تارة أخرى، إن صحت بعض الرؤى بالطبع. خلّف ذلك المشهد حقدا تاريخيا بين السوريين حتى الآن. عاد الابن "الأسد الصغير" وأدخل سورية في دوامة، قد لا تخرج منها لعقود من الزمان.


إذن الابن أعاد الخطأ التاريخي للأب، لكن عمم ذلك على أرجاء البلاد. علاج السوداوية التي أدخلها بالحديد والنار في نفوس السوريين سيكلف آلاف الهكتارات من الدماء. كل الطوائف شملتها وبلغتها آلة القتل السورية، وما محاولة الابن أخيرا لجر أبناء السويداء من الطائفة الدرزية لضربها بسنة درعا إلا دليلا على عدم اكتفاء الأسد بالحرب والقتل، بل بلغ سعيه لضرب أبناء سورية بعضهم ببعض بحثا عن مبررات تُبقيه أكبر قدر من الوقت في السلطة، حتى وإن كان ذلك قد كلف مئات الآلاف من القتلى والجرحى والمشردين في خارج أراضي بلادهم.


طوائف سورية لا سيما الدروز تعي ذلك منذ حقبة الأسد الأب، لذلك هناك رهبة في نظام الحكم من هذه الطائفة تحديدا. حاول الأسد الابن أن يعيد سياسة والده وتجربته في حالة حماة وتنفيذها في السويداء جنوب سورية، لكنه فشل في ذلك على الأقل حتى الآن. من يتصور أن أبناء حماة مع السنين تناسوا مجازر الأب فهو مخطئ. تجربة حزب الله بالمناسبة مشابهة إلى حد كبير لتجربة الأسدين "الأب والابن". 7 أيار وهو يوم شهير في التاريخ اللبناني يحكي تجربة حزب الله، حين حاصر السرايا الحكومية، وما لا يعلمه الكثير أن الإجرام الذي نفذه على أبناء مناهضيه أكثر مما يتخيله بعض المتابعين.


كل من يجري في فلك "مقاومة إسرائيل" وهي الأسطورة التاريخية التي عزف على وترها حافظ الأسد، وورَثها للابن، ومن يجري في إطاره، كحزب الله، وحركة حماس مؤخرا، أكثر العينات في العالم العربي من حيث تسويق الشعارات الكاذبة عيانا بيانا. حركة حماس هذه قصة أخرى. استدرجتها طهران تحت شعار مقاومة إسرائيل وتحرير الأراضي الفلسطينية، من أجل التوغل في العالم العربي والإسلامي، لتنفيذ سياسة دينية هدفها بنهاية المطاف "التشيع" لا أكثر، وأن تكون -أي طهران- الصوت الأعلى في معارضة تل أبيب، وبالتالي مع مرور الوقت تكتسب الأحقية في امتلاك ترسانة نووية تهدد أمن المنطقة. لكن من حسن الحظ بات الشارع العربي يعي ذلك في الآونة الأخيرة. هذه قصة أخرى قد أتطرق لها في مقال آخر – أقصد تجربة حماس في تبعيتها للنظام الإيراني الفاشي-.


وعلى ذكر النظام الإيراني الفاشي، والأقرب للبوليسي، كما هي طبيعة الأنظمة البوليسية، التي تضع قمع الشعوب أول أولويتاها، -وهذه تحكيها تجارب قصة وسياسات عدة دول في العالم، كنظام دمشق، وطهران، وكوريا الشمالية– فالقمع هو الطريقة المُثلى للمحافظة على كرسي الحكم، حتى إن بلغ الأمر أكثر من القتل، والتشبع بالدم، هذه التجربة مع الأسف طبقها بشار الأسد أخيرا في سورية المفككة، وربما المقسمة، المتفرقة، استنساخا للتجربة الإيرانية بعد عودة الخميني من منفاه إبان حكم الشاه حين شهدت تلك الحقبة مئات الآلاف من معارضي تحول إيران من نظام حكم إلى نظامٍ آخر بعباءة دينية.


أعود هنا للحديث عن زعيم نظام دمشق الذي لم يعد يسيطر إلا على دمشق، وبعض أطرافها. باع البلد في نظري من أجل حفاظه على كرسي حكم ورثه بشكل غير شرعي، وبموجب تصويت سنده ممن يوصفون بـ"مصفقاتية" مجلس الشعب السوري، من أجل المحافظة على رائحة والده السفاح وبات رأس حربة الأنظمة البوليسية التي تسعى فقط للتشبث بكراسي الحكم أكبر قدر من الوقت، على حساب إزهاق الأرواح واستقرار الشعوب.
&