& وحيد عبدالمجيد
&
لا ينسجم »الكرم« الذي أبدته الحكومة الألمانية تجاه اللاجئين السوريين المساكين، بعد التأثير الهائل الذي أحدثته صورة الطفل إيلان، مع عدم اهتمام القوي »النيوليبرالية« التي تنتمي اليها هذه الحكومة بالمقاييس الاجتماعية والأخلاقية.

وقد رأينا كيف توحشت حكومة ميركل في موقفها تجاه أزمة الديون اليونانية، ولم تبال بمعاناة ملايين الفقراء في اليونان، وأصرت علي فرض شروط بالغة القسوة، وذهبت إلي حافة الهاوية في إدارتها هذه الأزمة مستغلة نفوذها الهائل داخل الاتحاد الأوروبي. وأدي ذلك إلي تراجع تكتل »سيريزا« الذي حاول مقاومة توحش »النيوليبرالية« الأوروبية، ووقف شعبه معه في اقتراعين ديمقراطيين متتاليين. ولكنه اضطر لأن يأخذ خطوات إلي الوراء عندما وصلت الأزمة الي حافة الهاوية.

فإحدي سمات الرأسمالية »النيوليبرالية« هي استخفافها بالمعايير الاجتماعية والأخلاقية، واستهانتها بحماية الفقراء والضعفاء الذين تراهم معوقين للتقدم ولا يستحقون الالتفات إليهم إلا في الحدود التي تقلص »ضررهم« علي المجتمع، حتي لا يبقي النظام السياسي أسير حاجاتهم التي لا يستطيعون تلبيتها بسبب »كسلهم« و«ضعف ذكائهم«!

ولذلك يبرز التساؤل عما يدفع حكومة هذا هو اتجاهها إلي تبني سياسة اجتماعية وأخلاقية تجاه اللاجئين الذين يبحثون عن مأوي.

هناك تفسيران لما يبدو لغزا غامضا في هذا السؤال. أولهما مصلحي ينسجم مع اتجاه الحكومة الألمانية »النيوليبرالي«، وهو حاجتها إلي أيدي عاملة شابة رخيصة في بلد يقل عدد سكانه عاما بعد عام، وترتفع فيه بالتالي معدلات الإعالة نتيجة زيادة عدد المتقاعدين علي العاملين.

غير أن مصلحة ألمانيا هذه لا تكفي لتفسير إقدامها علي استقبال أعداد هائلة من اللاجئين. فكان في امكانها أن تقبل عدداً أقل مادام الأمر محصوراً في حل مشكلة التناقص المستمر في السكان. وهنا تأتي أهمية التفسير الثاني، وهو ما يمكن أن نسميه »العقدة اليهودية« التي مازالت ضاغطة علي ضمائر كثير من الألمان. فما برحت ذاكرتهم الجمعية تختزن صور اليهود الذين سيقوا إلي المحارق بسبب غلق الدول الأوروبية الأخري أبوابها في وجوههم منذ عام 1938، الأمر الذي حال دون نجاتهم من المحارق النازية.