مأمون فندي
في 14 مايو (أيار) 2008، أي في عز زمن مبارك، كتبت مقالاً في صحيفة «المصري اليوم» القاهرية، بعنوان «اللوبي الإيراني في مصر»، وأعيد التذكير به هنا لتوسيع الحوار مع الزميلة سوسن الشاعر حول الفشل الاستراتيجي العربي. فعلى غير عادة كثيرين من الكتاب العرب ردت الأستاذة سوسن الشاعر على مقالي عن «التوحد الاستراتيجي» العربي بمقال في الصحيفة ذاتها «الشرق الأوسط»، وأشكرها على ذلك لأن معظم الكتاب العرب يكتبون ولا يتحاورون، فقط يبثون ولا يستقبلون، أما وقد سنحت الفرصة للحوار، فيجب ألا تمر دونما استغلالها على أمل أن تشترك عقول أخرى في توسيع دائرة النقاش عن حالة التفسخ العربي الداخلية، واستغلالها من قوى غير عربية، وهنا لا أعني فقط اللوبي الإيراني، بل اللوبي التركي أيضًا، الذي تتزعمه جماعة الإخوان بأموالها وكتابها، وخصوصًا في دول الخليج، كتاب ليسوا بعيدين عن صناع القرار، وربما قريبون منهم لدرجة عدم رؤيتهم.
في مقالي في عام 2008 طرحت سؤالاً واضحًا للقارئ المصري، الذي كان يومها ضحية لوبي إيراني متغلغل في القاهرة، وكان السؤال كالآتي: «بعد أن سيطر حزب الله على بيروت، سؤالي الواضح لأي قارئ عربي اليوم لا مواربة فيه، ودون لفّ أو دوران: هل أنت مع المشروع الأميركي الذي يريد إعادة رسم خريطة المنطقة العربية من الخارج؟ أم أنك مع المشروع الإيراني الذي يهدف إلى تقويض العالم العربي من الداخل؟!». يومها لم يكن في مصر كتاب مثل سوسن الشاعر يتحاورون، كان مدير مكتب قناة «المنار» في القاهرة من أقرب الناس إلى مبارك وجماعته، وكنت عندما تكتب عن اللوبي الإيراني تصنف أنك أميركي الهوى، لأن الغوغاء وأنصاف المتعلمين وكتاب «السبوبة» كانوا يسيطرون على المشهد. وكان «آية الله» الصحافة المصرية، محمد حسنين هيكل، الذي لا ينطق عن الهوى عند المثقفين في مصر، مع إيران وحزب الله، وكنت أنا أيامها أغرّد خارج السرب. النقطة الرئيسية هنا هي أن اللوبي الإيراني داخل العالم العربي حينها واليوم أكبر من اللوبي الإيراني خارجه.
قلت في 2008 «إذا كانت أميركا تستخدم الغزو كوسيلة للتقسيم، فوسيلة إيران هي تقوية حركات أصولية داخل الدول، كي تبتلعها وتقوّضها من الداخل، حركات أصولية لها جيوش وإعلام وقنوات تلفزيونية».
أيامها كان الأمر واضحًا وضوح الشمس،، وما زال، أن العالم العربي يقع بين مطرقة إيران والفرس، وبين سندان الأميركان، العالم العربي اليوم متلاعب به في مشروعين، أحدهما أميركي والثاني فارسي. ورغم أن كثيرًا من العرب مغرمون بتحليل المشروع الأميركي الهادف إلى تقسيم العرب من الخارج، فإن كثيرًا منهم لا يتحدث عن المشروع الفارسي الهادف إلى تقويض العالم العربي من الداخل.
قلت يومها، إن «لدينا اليوم كتابًا ورجال إعلام يروجون للمشروع الإيراني علانية وبفجور صارخ، ولكن تحت شعار التصدي للهجمة الأميركية على المنطقة. ومصر اليوم هي معقل اللوبي الإيراني في المنطقة».
الحقيقة الواضحة كالشمس هي أن إيران كأميركا، فهي دولة محتلة لجزر العرب في دولة الإمارات، إذ تحتل إيران جزر أبو موسى وطنب الصغرى والكبرى، كما أن لإيران نفوذًا غير مباشر في كل المنطقة، التي سمّاها ملك الأردن الهلال الشيعي. الغريب أن اللوبي الإيراني في الإعلام العربي أخرس أي صوت يتحدث عن الاحتلال الإيراني.
أساس السيطرة الإيرانية في المنطقة هي استراتيجية إيرانية ثلاثية الأبعاد. البعد الأول يتمثل في تحالف إيران مع دول عربية، والبعد الثاني هو سيطرتها ودعمها لحركات تملك الشارع في بعض الدول العربية.
أما البعد الثالث فهو يتمثل في وجود لوبي إيراني قوي في الإعلام العربي من مالكي الصحف إلى مالكي العراق، إلى كتاب ومعلّقين يتصدرون صفحات الرأي في أهم الصحف العربية، وكذلك مقدمو ومعدو البرامج في كثير من التلفزة ومحطات الراديو في البلاد العربية. إيران اشترت العشرات من الصحف والصحافيين، ومصر هي مركز التشيع الصحافي اليوم.
كما رأينا في لبنان. إيران سيطرت علي لبنان عن طريق أهم حركة سياسية مسلحة اليوم في العالم العربي، وهي حركة حزب الله، حركة اكتسبت شرعية وشعبية، بعد خروج الإسرائيليين من لبنان.
وصفق لها الجميع، وادّعى البعض أن الشيعة في لبنان هم الوحيدون الذين طردوا إسرائيل من أراضيهم، أما أراضي السنة فما زالت ترزح تحت الاحتلال. الارتباط الإيراني بحزب الله، وكذلك بالجناح السياسي للشيعة المتمثل في حركة أمل والقبول الشعبي لحسن نصر الله.
بين القومجية العرب والإسلامويين، جعل العرب يصدقون أن إيران هي المخلص للعرب من براثن الاحتلال. انظر ماذا يحدث اليوم، يوجّه سلاح إيران ضد السنة في لبنان، وفي مصر من يروجون لذلك، لأن فلوس الثورة الإسلامية قد أعمت القلوب.
مفهوم أن تسيطر إيران على حزب الله الشيعي في لبنان، ولكن غير المفهوم هو سيطرة إيران على جماعة أصولية سنية في فلسطين. ولكن الأخطر اليوم هو تغلغل إيران أيضًا في كل الإسلاميين الحركيين، الذين يسيطرون على الشارع في كثير من الدول العربية. جماعات تدعو لزيارة طهران وأحيانًا تمول من طهران. وقد كتبت مقالاً عن المال الطاهر الذي تحدث عنه حسن نصر الله، وقلت يومها إن كلمة طاهر ليست من الطهر، بل الطاهر من طهران. لإيران اليوم علاقات خاصة بكل فروع جماعة الإخوان المسلمين، في مصر، وفي الأردن، وفي دول الخليج. علاقة إيران بإسلاميي الأردن هي ما دفعت ملك الأردن للحديث عن الهلال الشيعي وخطره على المنطقة. كذلك تغلغل إيران وسيطرتها شبه الكاملة في جنوب العراق هما ما دعوا وزير خارجية السعودية الراحل سعود الفيصل للحديث إلى الأميركان في عقر دارهم، قائلاً لهم «إنهم سلموا ثلث العراق لإيران». البعد الأخطر للهيمنة الإيرانية في المنطقة، هو سيطرة اللوبي الإيراني على الإعلام العربي وتخويف كل من ينتقد إيران، وربما تكفيره.
بسذاجة نحن غالبًا ما نقول إن فكرة اللوبي وأصحاب المصالح الخاصة هي فكرة توجد في الدول الديمقراطية فقط. الحقيقة هي أن جماعات الضغط وجماعات المصالح توجد في كل الدول، والناظر إلى اللوبي الإيراني في القاهرة مثلاً يرى عجبًا، فهناك مئات الكتاب الذين يروجون لإيران في أهم الصحف المصرية.
بغض النظر عن المسيطر: أميركا أم إيران، المهم في الموضوع هو أن القوتين تتصارعان على السيطرة على العالم العربي، وأن العالم العربي هو متلاعب به لا فاعلاً في هذه الحملة الاستراتيجية.
بالطبع، هناك تقريبًا دولتان أو ثلاث في العالم العربي يمكن الحديث عنها على أنها دول مستقلة ذات سيادة، لكن يبقى أصل المسألة واضحًا، العالم العربي اليوم هو منطقة صراع على النفوذ بين نفوذ الفرس من ناحية، ونفوذ الغرب من ناحية أخرى.
العالم العربي اليوم يتم تفكيكه وإعادة رسم خريطته بطريقتين: الطريقة الأولى هي الطريقة الأميركية، المتمثلة في الغزو والاحتلال وتغيير الأنظمة من الخارج، كما حدث في العراق، الطريقة الأخرى هي الطريقة الإيرانية، التي تقوّض النظام من الداخل، عن طريق دعمها لحركة تصبح لها سيطرة، لها جيش وعلم وقناة إعلامية، تبتلع الدولة التي هي فيها، ومثال ذلك حركة حزب الله، كذلك رأينا كيف ابتلعت حركة حماس السلطة الفلسطينية، ورأينا كيف احتل حزب الله بيروت.
هل أجهزة الأمن قادرة على تتبع فلوس إيران التي تضخ لمصر، للحركة وللصحافة، لديّ شك كبير في ذلك.
هذا كان جل حديثي في مصر عام 2008، أما اليوم فالحديث عن اللوبي الإيراني يحتاج إلى حوار أوسع وأعمق.
&
التعليقات