أمير طاهري
&
إذا سارت الأمور بشكل جيد فسوف تنعقد أحدث مناورة سياسية حول سوريا في وقت ما خلال هذا الشهر. ومع ذلك، لا يمكن للمرء أن يتوقع بالتأكيد ما ستثمره جولة المحادثات المقبلة، التي أيدها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإجماع.
إن أول شيء ينبغي معرفته عن الممارسة الدبلوماسية المقترحة هو أنها ترتبط بسوريا بشكل عرضي على أقصى تقدير. ويكمن الغرض الحقيقي من المحادثات في شيء آخر. وهذا يتضح على الفور من أول خطوة اقترحها قرار مجلس الأمن «لتحقيق وقف إطلاق النار في بلد مزقته الحرب». وعادة عندما يقرر مجلس الأمن وقف إطلاق النار، يكون عاقدًا العزم على تحقيقه على الفور. فعلى مدى السنوات السبعين الماضية منذ تأسيسها، أعلنت منظمة الأمم المتحدة العشرات من قرارات وقف إطلاق النار، جميعها دخلت حيز التنفيذ على الفور.
لكن هذه المرة، رغم ذلك، يتصور مجلس الأمن وقفًا لإطلاق النار ناجمًا عن محادثات غير محددة في موعد غير محدد. والأسوأ من ذلك، يجري استبعاد أكثر من نصف المتورطين في الحرب السورية متعددة الجوانب حتى من المحادثات بشأن وقف إطلاق النار.
في سوريا، لدينا نوعان من النار..
النوع الأول هو النار التي تطلقها الفصائل المتناحرة، بما فيها بقايا نظام الرئيس السوري بشار الأسد، والتي يعادي بعضها بعضا خلال المعارك العرضية والنادرة. ويوقع هذا النوع عددا قليلاً نسبيًا من الضحايا، حيث لا يمتلك أي من تلك الفصائل القوة الكافية لوضع نتيجة حاسمة وواضحة للمعركة. فعلى مدى الأشهر الـ18 الماضية، تغيرت الصورة المرسومة بأن سوريا أصبحت تحت سيطرة العديد من الجماعات المسلحة. وبالتالي، سواء تمكنّا من وقف هذا النوع من إطلاق النار أم لا، فإنه لن يكون له أثر يذكر على الوضع العام في سوريا.
النوع الثاني هو النار المطلقة من الجو، غالبًا ضد السكان المدنيين. ويخضع هذا النوع لسيطرة عدد قليل نسبيًا من الأطراف اللاعبة في الصراع السوري. يضرب ما تبقى من سلاح الجو السوري أهدافًا مدنية بشكل روتيني، بما فيها الضرب بالأسلحة الكيماوية، مع تغير ضئيل أو معدوم في ميزان القوى على الأرض، وهذا لا يرقى إلى كونه مذبحة بحق المدنيين بقدر ما هو عمل من أعمال الحرب. وكان من الممكن أن يدعو مجلس الأمن بسهولة إلى وقف فوري لإطلاق النار من الجو، غير أنه لم يفعل.
كما تأتي النار المطلقة من الجو مما يسمى بالتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، وفي الآونة الأخيرة من روسيا. وفي كلتا الحالتين، تكون لهذا الأمر أضرار «جانبية» كبيرة، بمعنى أن المدنيين يُقتَلون، من أجل تحقيق مكاسب عسكرية ضئيلة.
وإذا كانت النار الروسية المطلقة من الجو تقتل المزيد من الأشخاص، فإن ذلك بسبب عدم امتلاك الروس هذا النوع من القنابل «الذكية» والصواريخ «الكبريتية» التي يمتلكها التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.
وهنا، أيضًا، كان من الممكن أن يدعو مجلس الأمن إلى وقف فوري للقصف الذي لا يثمر أي نتائج ملموسة، بسبب أن التحالف الدولي وروسيا واللاعبة الأخرى إيران لم تتمكن من ترجمة الضربات الجوية إلى مكاسب سياسية على أرض الواقع. وفي ظل غياب استراتيجية عسكرية متماسكة، فإن هذا الأمر ببساطة مجرد قتل وحشي.
ومجددًا، تحرك مجلس الأمن في هذا الصدد.
لذلك، من الصعب اعتبار أن القرار والمحادثات المقترحة هي نتيجة الرغبة الحقيقية في وقف عمليات القتل في سوريا. إنها تنطوي على أغراض أخرى.
يكمن أحد الأغراض في خلق الوهم بأن ما يسمى المجتمع الدولي توصل الآن إلى إجماع بشأن سوريا. وهذا غير صحيح بتاتًا.
يمتلك محور موسكو - طهران أجندة تهدف إلى إطالة الحكم الوهمي لبشار الأسد في دمشق. وأدركت روسيا فجأة أنها دخلت عش الدبابير ولا تمتلك أي مخرج. وعلى الرغم من أن رئيسها فلاديمير بوتين هو لاعب حذر، فإنه يعلم أن مأزقه السوري قد يستمر لسنوات، في ظل معاناة روسيا من انهيار اقتصادي، وقلق الرأي العام إزاء المغامرة الخارجية المكلفة.
ويعلم بوتين أيضًا أنه من خلال دعم الأسد، وقصف المعارضين، فإنه يضمن تدني شعبية روسيا بشكل عميق ودائم في العالم الإسلامي. وبالأحرى، سيكون لادعاء المعارضة الروسية المسلمة أن بوتين يمد مذبحته ضد المسلمين من القوقاز إلى سوريا، صدى لدى العديد من المسلمين في جميع أنحاء العالم.
أما بالنسبة لملالي طهران فإنهم يواجهون صعوبات، متمثلة في دفع رواتب ليس فقط المعلمين، ولكن أيضًا ضباط الأمن. وفي الوقت ذاته، منيت إيران بخسائر فادحة، بما في ذلك مقتل 140 ضابطًا على الأقل في غضون شهرين فقط، في ظل عدم تحقيق أي شيء من الناحية العسكرية.
ويتمثل الهدف الرئيسي لإيران في إطالة فترة الأسد في القصر الرئاسي، وذلك لحفظ ماء وجه المرشد الأعلى الذي وعد بالحفاظ على حليفه المدلل في السلطة.
ولا تهتم الولايات المتحدة، تحت حكم الرئيس باراك أوباما، إلا بشراء الوقت، وخلق الانطباع بأن الممارس الكبير لـ«الدبلوماسية المبدعة» حل مشكلة دولية رئيسية أخرى، في أعقاب نجاحه الكبير في منع إيران من تطوير قنبلة نووية.
وبعبارة أخرى، يريد كل هؤلاء الذين شاركوا في طبخ قرار الأمم المتحدة الساخر شراء الوقت. وتوفر تلك الممارسة لهم متسعًا من الوقت. ومن المقرر إجراء محادثات جنيف هذا الشهر، مع الاتفاق على وقف إطلاق النار خلال الأشهر الثلاثة المقبلة. وبعد ذلك بثلاثة أشهر سوف تبدأ المحادثات لتشكيل حكومة مؤقتة، تكون تحت حكم الأسد على ما يفترض.
وستكون الخطوة التالية إجراء انتخابات - برلمانية على الأرجح - في غضون 18 شهرًا. كل هذا من شأنه أن يأخذنا إلى عام 2018، إن لم يكن بعده. وبحلول ذلك الوقت، يكون الرئيس أوباما قد غادر البيت الأبيض منذ فترة طويلة، ونشر مذكراته التي يشير فيها إلى سوريا كأحد نجاحاته الدبلوماسية العديدة. وإذا حدثت الأمور بشكل أسوأ في ذلك الحين، فإنه ببساطة يلقي باللوم على خلفه في ذلك.
أما بالنسبة لبوتين فإنه يكون قد حقق شيئًا واحدًا على الأقل: دفع ضمه لأوسيتيا وأبخازيا وشبه جزيرة القرم ودونيتسك في غياهب النسيان.
وسيكون المرشد الأعلى لطهران قادرًا على التباهي بأنه حافظ على الأسد في السلطة حتى نهاية ولايته. وإذا انتهى الحال بالأسد بشكل سيئ حينئذ، كما هو مؤكد، فإن المرشد الأعلى قد يتركه كمجرد «شهيد آخر للإمام».
كما أتاحت سخرية الأمم المتحدة لتركيا والعرب الخروج من المشكلة بسهولة. فكانت السياسة التركية موضوعة على مسار خاطئ، لأن الرئيس رجب طيب إردوغان حاول استغلال الفرصة التي وفرتها المأساة السورية لتدمير حزب العمال الكردستاني، واقتطاع «منطقة آمنة» من كل من سوريا والعراق.
من جانبهم، فشل العرب في تنسيق سياساتهم، وكشفوا عن انقساماتهم التي تشجع أعداءهم فقط.
وتلبي ممارسات الأمم المتحدة الساخرة الاحتياجات التكتيكية لكل القوى الخارجية المتورطة في المأساة السورية. والمتروكون فقط هم أبناء الشعب السوري، الذين يستمر قتلهم كل يوم.
التعليقات