ناصر زيدان

انتهى عام 2015 على مجموعة من الإنجازات الأمنية المهمة في عدد من الدول التي عانت ويلات الأعمال الإرهابية، خصوصاً منها التي نفذتها عصابات «داعش». الجيش النيجيري أخذ قراراً واضحاً بمهاجمة جماعة «بوكو حرام» الإرهابية في معاقلها، وعدم الاكتفاء بمحاصرتها في الأدغال.


والإجراءات الأوروبية بعد اعتداءات باريس في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بدت فعالة، ومنعت أي ارتكابات كانت تُهددُ بها المجموعات الإرهابية بمناسبة احتفالات السنة الجديدة، بصرف النظر عن الانشطارات العنصرية البغيضة التي أثارتها قوى اليمين المُتطرفة في فرنسا وفي الولايات المتحدة الأمريكية، وفي بلدان أوروبية أخرى.


في هذا الصدد لا يمكن تجاهُل الإجراءات القانونية والأحكام القضائية التي نفذتها العدالة بحق أفراد قاموا بتنفيذ عمليات إرهابية، أو شاركوا بالتخطيط لها، لاسيما في بلجيكا ولبنان ومصر والمملكة العربية السعودية. أمَّا الأبرز في مسيرة الانقضاض على الانفلاش الإرهابي الذي قوَّض الحركة السياسية في عدد من البلدان إبّان عام 2015، فكان استعادة جبال سنجار «معقل الأيزيديين» شمال العراق، والأهم من كل ذلك؛ تحرير مدينة الرمادي - عاصمة محافظة الأنبار العراقية - من أيدي عصابات «داعش» في الأيام الأخيرة من العام المُنصرِم. وقد حملت عملية تحرير الرمادي مجموعة من الاعتبارات الإيجابية، ستكون لها تأثيرات مُستقبلية في مسيرة محاربة الإرهاب، وفي سياق تطور العملية السياسية في العراق وسوريا على وجه التحديد.


في جانب التأثيرات الإيجابية في مسيرة مكافحة الإرهاب، يمكن القول: إن الرمادي كانت ملجأ مهماً للعصابات الإرهابية التي ترعرعت - للأسف - في كنف التجاذبات الأمريكية - الإيرانية - السورية بعد عام 2010، وساهمت سياسة رئيس وزراء العراق السابق نوري المالكي في تشجيع هذه العصابات، وتوفير بيئة حاضنة لها في الأنبار، ومن ثمّ في معظم أنحاء شمال غرب العراق، وشرق وشمال سوريا. ومن الرمادي انطلق تنظيم ما يُسمى «داعش» الذي ارتكب أعمالاً إرهابية وحشية لم يسبقه إليها أحد في بشاعتها، مُستخدماً شعارات إسلامية، وهو لا يعرِفُ من الإسلام الحنيف وسماحتهِ أي شيء.


أمَّا في الجانب الآخر للدلالات الإيجابية، فهي تُسجَّل في خانة الإنجازات لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، حيث تلافى في عملية تحرير الرمادي مجموعة من الأخطاء غير المقبولة التي تمَّ تسجيلها في عملية تحرير مدينة تكريت في يونيو/تموز 2015، وصلت إلى حد ارتكاب أعمال بغيضة بحق أهالي تكريت على أيدي بعض مجموعات «الحشد الشعبي»، والعبادي حرص هذه المرة على تلافي أخطاء عملية تحرير تكريت، وأشرك أبناء منطقة الأنبار من العشائر العربية في عملية تحرير الرمادي، وبالتالي فقد تلافى التجاوزات الناتجة عن أحقاد مذهبية، برُغم الخسائر الكبيرة التي وقعت من جراء الأعمال القتالية، خصوصاً التدمير الكبير الذي لحق بمرافق المدينة وأبنيتها السكنية.


العبادي زار الرمادي في آخر يوم من العام المُنصرم، ووعد أبناءها بإعادة اعمار ما تهدَّم، ودعاهم إلى العودة إلى المدينة، وكلف أبناء عشائر الأنبار حفظ الأمن في المدينة بإشراف الجيش العراق. تلك الخطوات يمكن أن تؤسِّس إلى ثقة كانت مفقودة بين الحكومة المركزية العراقية وأبناء محافظات الوسط والشمال، وستساعد على إطلاق مسار تحرير الموصل من عصابات «داعش» خلال عام 2016، كما وعد العبادي.
إن سحب البساط العراقي من تحت أقدام الإرهاب «الداعشي»، يُشكل مُقدمة هامة لمحاصرة الأنشطة الإرهابية في مُعظم أنحاء العالم، ذلك أن التنظيم الإرهابي استفاد من المساحة العراقية الخالية لإطلاق دينامية متهوِّرة طالت مآسيها العديد من البلدان، لا سيما بعض الدول الأوروبية، وهذه الدول ساعدت أعضاء التنظيم على السفر من أوروبا إلى العراق وسوريا، أملاً بالتخلّص منهم في ساحات الاقتتال هناك، وتحقيق بعض الأهداف السياسية في البلدين.


لم تتمكّن غارات التحالف الدولي الجوية ضد «داعش» من القضاء على نشاطات التنظيم الإرهابية، بل على العكس من ذلك، فقد تمدَّد نفوذ التنظيم على بعض المساحات في سوريا في ظل هذه الضربات، وثبُتَ أن المجموعات الإرهابية استفادت من التجاذبات الدولية حول سوريا، خصوصاً بعد التدخُل العسكري الروسي إلى جانب القوات الحكومية.
إن الإرهاب، لا دين له، ولا وطن. والفرصة مُهيأة للانقضاض على المجموعات التي تُسانده، واستخدام بعض السياسيين لفزاعة الإرهاب بهدف تحقيق مصلحة ذاتية، أو فئوية، مُقاربة خاطئة، وتجربة أفغانستان خير دليل على سوء الرهان.


الفرصة في عام 2016 مُهيأة لاجتثاث الإرهاب، من خلال التعاون الدولي الصادق لمواجهته، بعيداً عن الحسابات الخاطئة. إن المراهنة على الاستفادة من تفاعلات الأعمال الإرهابية لزيادة نفوذ، أو تأثير، هذه الدولة أو تلك، مراهنة فاشلة.