وحيد عبد المجيد

وافقت الحكومة اليمنية الشرعية على دعوة الأمم المتحدة لإجراء محادثات مع المتمردين في سويسرا، وشاركت في جولتين عقدتا في يونيو وديسمبر الماضيين. لكن هذه المفاوضات لم يكن لها من اسمها نصيب. فقد خرق المتمردون الهدنة التي رافقت جولة يونيو، وسعوا إلى استغلالها لتحقيق مكاسب. لذلك كانت قوات الحكومة الشرعية والمقاومة الشعبية مستعدة في الجولة الثانية لرد قوي على انتهاكهم الذي كان متوقعاً للهدنة، وواصلت التقدم الذي أحرزته في الشهور الثلاثة السابقة عليها إلى أن باتت قريبة من صنعاء.

ويمكن أن يكون هذا التغير الكبير في ميزان القوى على الأرض مدخلاً لقراءة حديث الرئيس المخلوع علي صالح، أحد قطبي التمرد في اليمن، عن عدم رغبته في استئناف هذه المحادثات، وتفضيله التفاوض مع المملكة العربية السعودية، وفق ما جاء في كلمة نقلها الموقع الإلكتروني للجناح الموالي له في «حزب المؤتمر الشعبي» في 27 ديسمبر الماضي.

وبغض النظر عن الحذر الواجب في التعاطي مع ما يصدر عن سياسي مراوغ يحترف الخداع، وعدم منطقية هذا المطلب واقتقاده المشروعية، فهو ربما يفيد أن الشرخ الذي ظهر ما يدل عليه في داخل وفد المتمردين في جولة ديسمبر، لم يكن عابراً. فقد فُهم من بعض ما طرحه ممثلو صالح في هذا الوفد أنه يبحث عن «خروج آمن»، في الوقت الذي سعى ممثلو الحوثي لتفريغ المحادثات من أي مضمون لها، وإبقائها معلقة عند البند الأول في جدول أعمالها، وهو إطلاق المعتقلين والمخطوفين وفتح ممرات الإغاثة الإنسانية لبناء جسر من الثقة يمكن العبور إليه باتجاه خطوة أكثر ارتباطاً بالحل السياسي الذي يظن المبعوث الأممي أنه ممكن الآن قبل أن تكتمل مقوماته.

وإذا ربطنا ذلك بالتغيير الذي حدث في ميزان القوى على الأرض بين جولتي يونيو وديسمبر، نتيجة الإنجازات التي حققتها القوات الشرعية والمقاومة الشعبية، بفضل دعم التحالف العربي، لا ينبغي استبعاد أن ثمة مقدمات تحول بدأت تختمر في ثنايا الأزمة اليمنية.

فهناك ما يجوز اعتباره إرهاصات أولية لهذا التحول ظهر أولها في اضطرار المتمردين للذهاب إلى جولة ديسمبر وفق الدعوة التي وجهتها إليهم الأمم المتحدة، ودون أن يعترضوا على صيغتها التي تضمنت قرار مجلس الأمن 2216، رغم أنهم كانوا قد صمموا على استبعاد الإشارة إليه من الدعوة التي عُقدت على أساسها الجولة الأولى في يونيو.

ولم يكن متصوراً أن يقبل الحوثي وصالح مثل هذه الصيغة إلا بعد تغير ملموس في ميزان القوى. والأرجح أنهما أرادا تجنب تحميلهما المسؤولية إذا رفضا الدعوة بهذه الصيغة، أو تشددا في موقفهما تجاهها، بينما تراجعت قدرتهما على تحمل تبعات مثل هذا التشدد بعد أن ضعف مركز ميلبشياتهما على الأرض. كما أن مصلحتهما تتطلب دفع المبعوث الدولي لمواصلة الانغماس في رهانه على مفاوضات لم يحن وقتها المناسب بعد، ولن تكون مجدية إلا بعد أن يصل تقهقر قوات المتمردين إلى ذروته. وهما يرغبان بطبيعة الحال في استمرار تخلي الأمم المتحدة عن مسؤوليتها في تنفيذ قرار أصدره مجلس الأمن تحت الفصل السابع، أي ينبغي تطبيقه بقوة القانون الدولي.

لذلك اتجها إلى التجاوب الشكلي مع دعوات المبعوث الدولي. غير أن الكلمة المنسوبة إلى صالح قبل أيام ربما تدل على أنه بدأ في إدراك حقائق الواقع على الأرض، والبحث عن مخرج عبر توجيه رسالة غير مباشرة تفيد هذا المعنى.

وإذا صح هذا التقدير، فهو ينبئ باحتمال حدوث تباين في موقفي الطرفين اللذين يقودان التمرد في اليمن، خاصة إذا ظل الحوثي في انتظار إشارة من إيران للبحث عن مخرج لجماعته. والأرجح أنه سيكون من الصعب على إيران التسليم بالفشل في اليمن قبل أن تكتمل هزيمة حلفائها، وستسعى للاحتفاظ بورقة اليمن لأطول وقت ممكن في مرحلة فارقة لمشروعها الإقليمي.

لذلك قد يكون مفيداً للحكومة الشرعية والتحالف العربي التفكير في كيفية استثمار إرهاصات التباين بين رأسي التمرد، والمرشح للتوسع كلما ازداد تراجع ميليشياتهما على الأرض، من زاوية أن لدى صالح مساحة للمناورة تتيح له البحث عن مخرج بشكل منفرد بخلاف الحوثي المكبل تماماً بالقرار الإيراني والمضطر لانتظار القرار من طهران.
&