عبدالله بن بجاد العتيبي

نشر ‬السيد ‬جواد ‬ظريف ‬مقالة ‬الأسبوع ‬الماضي ‬في ‬جريدة ‬«نيويورك ‬تايمز»، ‬تهجم ‬فيها ‬على ‬المملكة ‬العربية ‬السعودية ‬بشكل ‬فج ‬وأسلوب ‬غير ‬مقبول، ‬وقد ‬توالت ‬الردود ‬والنقاشات ‬معه ‬حول ‬تلك ‬المقالة.

ولعل ‬من ‬الجيد ‬نقاش ‬بعض ‬التفاصيل ‬التي ‬وردت ‬في ‬مقالته، ‬فمن ‬ذلك ‬التساؤل ‬المشروع، ‬باسم ‬من ‬يتحدث ‬ظريف؟ ‬باسمه ‬وباسم ‬الرئيس ‬روحاني، ‬يعني ‬باسم ‬الحكومة، ‬وإيران ‬فيها ‬سلطات ‬متعددة ‬ومختلفة، ‬أهمها ‬ثلاث: ‬المرشد ‬ومؤسسته، ‬والحرس ‬الثوري، ‬والحكومة، ‬وتبدو ‬الحكومة ‬لمتتبع ‬تاريخ ‬الثورة ‬الإسلامية ‬في ‬إيران ‬هي ‬أضعف ‬الأطراف، ‬وهي ‬معنية ‬بالإدارة ‬لا ‬بالرؤى ‬الاستراتيجية ‬ولا ‬السياسات ‬الكبرى. ‬ولذلك ‬كثيراً ‬ما ‬تصدر ‬من ‬إيران ‬مواقف ‬متناقضة ‬تجاه ‬الحدث ‬الواحد. وعندما ‬تطرق ‬لملف ‬الاتفاق ‬النووي ‬الإيراني ‬الغربي، ‬لم ‬يتساءل ‬لماذا ‬ترفضه ‬السعودية ‬وغالبية ‬دول ‬الخليج؟ ‬لأنه ‬بكل ‬بساطة ‬اتفاق ‬غير ‬مكتمل، ‬فالمشكلات ‬مع ‬إيران ‬أكبر ‬من ‬قضية ‬الملف ‬النووي. ‬والاتفاقات ‬غير ‬المكتملة ‬في ‬السياسة ‬تخلق ‬من ‬المشكلات ‬أكثر ‬مما ‬تصنع ‬من ‬الحلول، ‬وهو ‬لم ‬يفسر ‬لماذا ‬تهرول ‬إيران ‬نحو ‬الغرب، ‬وترفض ‬التفاهم ‬مع ‬دول ‬الجوار. بلغة ‬لا ‬تخلو ‬من ‬الوقاحة، ‬تحدث ‬عن ‬ملف ‬الإرهاب ‬والتطرف. ‬وإيران ‬راعية ‬رسمية ‬للإرهاب ‬والتطرف ‬بشقيه ‬الشيعي ‬والسُني، ‬وعلاقاتها ‬الراسخة ‬بتنظيم ‬«القاعدة» ‬خير ‬مثال، ‬واستفادتها ‬من ‬تنظيم ‬«داعش» ‬في ‬سوريا ‬مثال ‬آخر، ‬ثم ‬إن ‬جماعات ‬العنف ‬والإرهاب ‬السُنية ‬المعاصرة ‬لم ‬تستهدف ‬إيران ‬ولا ‬بعملية ‬واحدة ‬طوال ‬تاريخها، ‬بينما ‬تقف ‬السعودية ‬على ‬رأس ‬قائمة ‬الأعداء ‬لديها، ‬إنْ ‬في ‬الإيديولوجيا، ‬وإنْ ‬في ‬الخطاب، ‬وإنْ ‬في ‬تنفيذ ‬العمليات ‬الإرهابية. وملف ‬السعودية ‬في ‬محاربة ‬الإرهاب ‬وجماعاته، ‬على ‬المستوى ‬الداخلي، ‬وعلى ‬المستوى ‬الإقليمي، ‬وعلى ‬المستوى ‬الدولي، ‬يعتبر ‬نموذجاً ‬لمحاربة ‬الإرهاب، ‬وذلك ‬بإقرار ‬قادة ‬العديد ‬من ‬الدول ‬الأوروبية ‬وغيرها، ‬وفي ‬حين ‬حاربت ‬السعودية ‬الإرهاب ‬على ‬مدى ‬خمسة ‬عشر ‬عاماً ‬متواصلة ‬منذ ‬11 ‬سبتمبر ‬وإلى ‬اليوم، ‬كانت ‬إيران ‬توفر ‬الملاذ ‬الآمن ‬لقيادات ‬«القاعدة»، ‬وتدعمهم ‬في ‬العراق ‬واليمن.

ولم ‬يكن ‬دبلوماسياً ‬حين ‬حاول ‬التدخل ‬في ‬شأن ‬داخلي ‬سعوديٍ ‬وتطرق ‬للقضاء ‬السعودي، ‬والمعروف ‬‬أن ‬القضاء ‬السعودي، ‬تحت ‬أي ‬معيارٍ، ‬هو ‬أعدل ‬وأرحم ‬من ‬القضاء ‬الإيراني، ‬وبالنظر ‬لاعتبار ‬أحكام ‬الإعدام ‬معتبرةً ‬في ‬أي ‬دولة ‬تقره، ‬فإن ‬السعودية ‬وبالأرقام ‬أقل ‬تنفيذاً ‬لأحكام ‬القضاء ‬بهذا ‬الخصوص. ‬هذا ‬مع ‬التأكيد ‬على ‬أن ‬البشاعة ‬تكمن ‬في ‬إعدام ‬المواطنين ‬الإيرانيين ‬برافعات ‬البناء ‬وأدوات ‬التنمية، ‬سُنة ‬الخميني ‬التي ‬لم ‬تزل ‬قائمة. الطائفية ‬قديمة ‬قدم ‬البشرية، ‬ولكنها ‬في ‬شكلها ‬الحديث ‬لم ‬تعرفها ‬كل ‬شعوب ‬المنطقة ‬إلا ‬بعد ‬قيام ‬نظام ‬ولاية ‬الفقيه ‬في ‬طهران، ‬والذي ‬استخدمها ‬كسلاح ‬سياسي، ‬لتحقيق ‬طموحات ‬توسعية ‬لفرض ‬الهيمنة ‬وبسط ‬النفوذ. السعودية ‬دولة ‬داعمة ‬للاستقرار ‬في ‬المنطقة، ‬وإيران ‬داعمة ‬لاستقرار ‬الفوضى.

السعودية ‬دولة ‬تحارب ‬الإرهاب، ‬وإيران ‬دولة ‬داعمة ‬له. ‬هذه ‬حقائق ‬يجب ‬أن ‬يقر ‬بها ‬السيد ‬ظريف ‬بدلاً ‬من ‬المخاتلة ‬والمخادعة ‬والكذب، ‬التي ‬استخدمها ‬في ‬مقالته، ‬ففي ‬اليمن ‬على ‬سبيل ‬المثال، ‬إيران ‬دعمت ‬احتلال ‬هذا البلد ‬بالمليشيات ‬العسكرية ‬الطائفية، ‬والسعودية ‬شكلت ‬تحالفاً ‬عربياً ‬تحت ‬مظلة ‬الأمم ‬المتحدة ‬وبقرارٍ ‬من ‬مجلس ‬الأمن، ‬ودعمت ‬الشرعية ‬في ‬اليمن.

إيران ‬دولة ‬مارقة، ‬لم ‬تلتزم ‬بالقوانين ‬الدولية، ‬ومشروعها ‬النووي ‬نفسه ‬مخالفة ‬صريحة ‬لهذه ‬القوانين، ‬كما ‬أنها ‬لم ‬تحترم ‬القوانين ‬والأعراف ‬الدبلوماسية، ‬سفارة ‬أميركا، ‬سفارة ‬بريطانيا، ‬سفارة ‬السعودية ‬وقنصليتها ‬في ‬مشهد، ‬وتطرق ‬لموضوع ‬الحج، ‬وهي ‬الشعيرة ‬المقدسة ‬التي ‬لم ‬تحترمها ‬إيران ‬قط، ‬وعاثت ‬فيه ‬خراباً ‬وإرهاباً، ‬ففي ‬1986 ‬قتلت ‬الحجاج ‬بطريقة ‬منظمة، ‬وفي ‬1989 ‬قضية ‬نفق ‬المعيصم، ‬ولا ‬ندري ‬بعد ‬هل ‬لها ‬أي ‬يد ‬في ‬حادثة ‬التدافع ‬في ‬منى ‬2015.

وختم ‬مقالته ‬بالقول: «‬لا ‬رغبة ‬لإيران ‬في ‬تصعيد ‬التوتر ‬في ‬المنطقة» ‬فماذا ‬تصنع ‬في ‬العراق؟ ‬وماذا ‬تصنع ‬في ‬سوريا؟ ‬وماذا ‬صنعت ‬في ‬لبنان؟ ‬وماذا ‬صنعت ‬في ‬اليمن؟

أخيراً، ‬كتب سمو ‬الشيخ ‬عبدالله ‬بن ‬زايد ‬تعليقاً ‬على ‬مقالة ‬ظريف ‬قائلاً: «‬بعد ‬قراءة ‬مقال ‬وزير ‬خارجية ‬إيران ‬في ‬صحيفة ‬النيويورك ‬تايمز، ‬اعتقدت ‬أن ‬الكاتب ‬وزير ‬خارجية ‬دولة ‬إسكندنافية»‬.
&