&نعمت أبو الصوف&

تبدأ صناعة النفط عام 2016 وهي تواجه سنة أخرى من انخفاض الأسعار، ضعف الاقتصاد، عدم اليقين وتقلبات الأسعار – مع عدم وجود أي أمل كيف ومتى ستنتهي هذه المعاناة. المفاجأة للبعض الذي كان يتوقع انتعاشا سريعا للأسعار، هي أن 18 شهرا الماضية قدمت تذكيرا بأن إمدادات النفط تستجيب ببطء شديد إلى تراجع الأسعار، لطول فترة تنفيذ المشاريع الاستخراجية بصورة عامة ولكون الجزء الأكبر من تكاليف الطاقات الإنتاجية الجديدة يصرف عادة في بداية المشروع. لذلك ارتفاع الأسعار لا يؤدي إلى زيادة فورية في العرض، وبالتأكيد انخفاض الأسعار لم يتسبب في تراجع فوري في الإنتاج، حتى في إمدادات النفط الصخري التي يفترض أن تكون أكثر حساسية للأسعار. صحيح أن الطلب على النفط استجاب لخفض الأسعار وأسهم بعض الشيء في تخفيف فائض الإمدادات، ولكن الطريقة الوحيدة لتخفيف عبء فائض الإمدادات بشكل نهائي تكون بوجود إشارات سعرية أكثر تطرفاً – بعبارة أخرى تحتاج إلى أسعار نفط أقل بكثير.&

التفاؤل المبكر بأن الأسعار قد تصل إلى أدنى مستوى لها (القاع) عند 60 أو 50 دولارا للبرميل أثبت أنه غير صحيح، حيث إن أسعار النفط اختبرت في الأسبوع الماضي مستوى قياسي جديد دون 30 دولارا للبرميل، وهذا أضعف مستوى لها منذ ما يقرب من 12 عاما. جزء من السبب في ذلك هو أن إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة لم ينهر نتيجة انخفاض الأسعار كما توقع البعض – على سبيل المثال، الإنتاج من ولاية داكوتا الشمالية، التي تضم تشكيل الصخر الزيتي الضخم باكن، بدأ في الواقع في الانخفاض في شهر تموز (يوليو) 2015، أي بعد نحو سنة كاملة من بداية تراجع الأسعار.&

بالعودة إلى عام 2008، فإن الارتفاع في أسعار النفط الذي وصل إلى 147 دولارا للبرميل أرسل إشارة سعرية قوية أدت إلى انهيار الأسواق، وقضت على الطلب على النفط ومهدت الطريق لانهيار الأسعار لأقل من 37 دولارا للبرميل بعد خمسة أشهر فقط. في هذه المرة، على افتراض عدم وجود تغيير كلي في موقف منظمة أوبك بخصوص استراتيجية حصتها السوقية، أو غير وارد حصول اتفاق مع الدول المنتجة من خارج أوبك على خفض الإنتاج، فإنه من الصعب أن نرى كيف يمكن إعادة التوازن إلى الأسواق من دون إشارة سعرية ضعيفة أكثر تطرفا - وصولا إلى مستوى 20 دولارا للبرميل مثلا، منخفضة بما فيه الكفاية بحيث لم يعد بمقدور المنتجين تغطية تكاليف التشغيل ويجبرون على وقف الإنتاج للحفاظ على النقد.

&

المحفز لهذه الإشارة يمكن أن يأتي من عدد من العوامل – صدور بيانات طلب ضعيفة من الصين أو الهند، زيادة فورية حادة في الإمدادات بعد رفع العقوبات عن صادرات النفط الخام الإيرانية، أو امتلاء الخزانات بحيث لا يمكنها استيعاب فائض الإمدادات. من الممكن أيضا انزلاق الأسعار إلى هذا المستوى قد يدفع «أوبك» لجلب المنتجين من خارج المنظمة إلى طاولة المفاوضات للتنسيق لخفض الإنتاج. ولكن على ما يبدو أن السعودية المنتج الرئيس في «أوبك» مستعدة لمواجهة مزيد من التدهور في الأسعار – في الوقت الذي ما زال فيه صناع سياسة النفط في المملكة متفائلين إلى حد ما عن الكيفية التي يمكن أن تعيد التوازن لأسواق النفط لهذا العام. تستند ميزانية السعودية لعام 2016، حسب وكالة بلومبرج، إلى متوسط أسعار نفط عند 29 دولارا للبرميل، تجدر الإشارة هنا إلى أن وزارة المالية السعودية لم تكشف عن متوسط سعر النفط أو مستوى الإنتاج الذي تستند إليه تقديرات موازنة 2016. في حين أن إيران أكثر تفاؤلا في هذا الجانب، حيث ترتكز مسودة مزانيتها لعام 2016 على أسعار نفط قرب 35 دولارا للبرميل.

&على الرغم من أن انهيار أسعار النفط أخذ وقتاً طويلاً نسبياً ليبدأ تأثيره في ميزان العرض والطلب على المدى القصير، إلا أن تأثيره في خطط إنفاق الصناعة على المدى الطويل كان أسرع من ذلك بكثير. حيث إن عديدا من المشاريع التي كان من المقرر أن تبدأ في الإنتاج قبل نهاية هذا العقد قد تم تأجيلها أو إلغاؤها كلياً، الأمر الذي يمهد الطريق إلى نقص في الإمدادات في وقت ما خلال السنوات القليلة المقبلة. في هذا الجانب، وعكس ما حدث في عام 2008-2009، الانكماش الحالي يمهد الطريق بالفعل إلى الارتفاع المقبل في الأسعار، ومرحلة جديدة من تقلبات الأسعار التي من شأنها أن تفرض تحديات إضافية على خطط الصناعة الاستثمارية على المدى الطويل.

&

بالعودة إلى شهر تموز (يوليو) 2015، عندما كانت أسعار النفط لا تزال قليلاً أعلى من 50 دولاراً للبرميل، قالت شركة وود ماكينزي الاستشارية إنه تم إرجاء مشاريع تنقيب جديدة بقيمة 200 مليار دولار في الأشهر الستة الأولى من العام، حيث تسعى الشركات إلى تقليص الإنفاق الرأسمالي والضغط على شركات الخدمات الهندسية لخفض تكاليف المشاريع. وأخيراً في شهر كانون الأول (ديسمبر)، ذكر بنك ثيودور بيكرينج الأمريكي للاستثمار أن تأجيل وإلغاء نحو 150 مشروعا منذ بداية الأزمة سوف يبدأ التأثير في الإمدادات المتوقعة في المستقبل ابتدء من عام 2018 وصاعداً، سوف يخفض نحو 5.0 ملايين برميل في اليوم من الإنتاج المتوقع في عام 2020 مقارنة بالتوقعات السابقة.