أحمد عبد الملك

يحار المرءُ في سرعة إيقاع الأحداث في منطقة الشرق الأوسط، ومن ذلك تمدد تنظيم «داعش» في عدة بلدان عربية، مما يجعل كثيرين يخشون ظهور عناصره بين ظهرانيهم، الأمر الذي سيُحدث هزات لم تتعود عليها بعض المجتمعات التي ظلت تنعم بأمان وتوافق داخلي وثيق.


ويبدو أنه كلما غابت الدولة أو سقط الأمن، زاد انتشار «داعش» وتمدده، لكن أسئلة عديدة حول هذا التنظيم لا تزال دون إجابات، خاصة فيما يتعلق بنشأته، وتمويله، وخطوط تواصله، وتوقيت ضرباته.

عناصر التنظيم لا يعرفون عدوهم على وجه التحديد، فرغم أنهم «سنيون»، فهم يحتجزون ويقتلون السنة؛ فيوم الأحد الماضي أعلنت وكالات الأنباء أن «داعش» قام بخطف 400 مدني، بعد يوم واحد على مهاجمته مناطق في دير الزور (شرق سوريا) حيث قتل العشرات أيضاً. وكل المختطفين والقتلى من الطائفة السنية.

وكان إعلام النظام السوري قد أعلن أن «إرهابيين من (داعش) ارتكبوا مجزرة مروعة بحق أهالي قرية (البغيلية)، راح ضحيتها نحو 300 مواطن»، كما تم قتل 40 شخصاً، بينهم أطفال، في تسع غارات جوية شنتها طائرات حربية روسية على مدينة الرقة في شمال سوريا، بينما يواصل النظام إلقاء البراميل المتفجرة على الجبهة الشرقية لـ«المعظمية».

وكان «حزب الله» اللبناني سبباً في حدوث مجاعة في «مضايا» منذ أشهر، إثر محاصرته لها ومنعه إيصال المساعدات الغذائية والطبية للمحاصرين الذين مات الكثير منهم جوعاً ومرضاً، وسط تغافل دولي، وقد أشارت مجلة «فورين بوليسي» إلى وثيقة مسربة من مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، تحدثت منذ عدة أشهر عن وجود مجاعة هناك. وكشفت الوثيقة أن الأمم المتحدة لم تتحرك لإرسال مساعدات للمحاصرين في مضايا، إلا عندما بدأت صور الأطفال الموتى والذين يعانون سوء التغذية تظهر في وسائل الإعلام. وذكرت بعض المصادر أن الأمم المتحدة تعطي أهمية أكثر لعلاقاتها مع النظام السوري، على حساب مصير أهالي مضايا المحاصرة، وانتقدت وسائل الإعلام الصمت الأممي حيال المسؤولين عن جريمة حصار مضايا. وألقى مسؤولو الإغاثة الدولية باللائمة على الأمم المتحدة واتهموها بـ«الخضوع» لروسيا، وأصدروا رسالة مفتوحة بهذا الشأن.

وبغض النظر عما يدور في أروقة الأمم المتحدة، فإن الأوضاع في سوريا تزداد سوءاً، والضحايا يسقطون يومياً، ولم تُجْدِ الطلعات الجوية الروسية في هزيمة «داعش» ولا حتى وقف تقدمه، أما «حزب الله» المتسبب في مجاعة مضايا فليس هدفاً للضربات الروسية.

هناك غموض يكتنف الأوضاع في سوريا؛ هل نحن فعلاً ندور في حلقة صنعها لنا الأجنبي وفق أجندة معينة، سوف تكشف الأيام بعضها لاحقاً؟

كان الكاتب «ديفيد كيركباتريك» في صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، قد لفت النظر، في سبتمبر 2014، إلى أن الحملة المتصاعدة من الضربات الجوية القاتلة ضد مسلحي «داعش» بالعراق في حينه، لم تفعل الكثير للقضاء على نظريات المؤامرة التي تدور في شوارع بغداد، وهي النظريات القائلة بأن وكالة الاستخبارات الأميركية تقف وراء المسلحين الذين تهاجمهم!

وهناك من يقول إن «داعش» تنظيم يضم إرهابيين من جنسيات كثيرة، ولد من رحم «دولة العراق الإسلامية»، حيث أعلن البغدادي توحيده مع «جبهة النصرة»، لكن الأخيرة رفضت الكيان الجديد، وبدأ الصدام بين التنظيمين في سوريا.

وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون، اعترفت في كتابها «خيارات صعبة»، بأن «داعش» صناعة أميركية تهدف إلى تقسيم منطقة الشرق الأوسط، وقد تم الاتفاق على إعلان «داعش» يوم 5/7/2013. وأضافت أنها زارت 112 بلداً في العالم «وتم الاتفاق مع الأصدقاء على الاعتراف بـ(الدولة الإسلامية) فور إعلانها، لكن فجأة تحطّم كل شيء».

بيد أن معارضي هذه النظرية يعتقدون أن تنظيم «داعش» تكون بفعل كتب التراث الجامدة، وهو ليس صناعة أميركية.

وتتسع دوائر التعجب حيال حالة الكر والفر بين «داعش» والمجتمع الدولي، في الوقت الذي يصعب فيه على الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا معاً دحر التنظيم الإرهابي في العراق وسوريا!

قد تحمل بعض الوثائق مستقبلاً ما يزيل علامات التعجب التي نواجهها اليوم!
&