أمين ساعاتي&

تعقد في دبي في الفترة من الثامن إلى العاشر من شباط (فبراير) 2016 المقبل القمة الحكومية العالمية الرابعة، وتناقش القمة مجموعة من الموضوعات بهدف الارتقاء بالأداء الحكومي، بحيث يرتقي إلى مستوى أداء القطاع الخاص.

&علميا يطلق على هذا المشروع اسم إعادة اختراع الحكومة Reinvintinggevernment. ومشروع إعادة اختراع الحكومة هو مشروع ولد في الولايات المتحدة في عام 1992 في إطار حملة الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، واستطاع هذا المشروع أن يدفع كلينتون إلى سدة الرئاسة.&

ويحقق المشروع اليوم تقدما ممتدا في كل أنحاء العالم، وهو من المشاريع الإدارية التي تستهدف إحداث ثورة في أداء الإدارة الحكومية حتى ترتقي إلى مستوى تنفيذ برامج التنمية المستدامة بكفاءة وفعالية.&

ورغم أن المتغيرات المطروحة تدعو إلى تضييق حجم ودور القطاع الحكومي مقابل دور أكبر للقطاع الخاص Privatization، فإنه من الخطأ الاعتقاد أن الدور الحكومي لم يعد مهما، بل الرهان اليوم على ضرورة أن تتنافس الإدارة في القطاع الحكومي مع الإدارة في القطاع الخاص لتحقيق مزيد من الأداء الجيد لتنفيذ برامج التنمية المستدامة بمستويات تتسم بالشفافية والنزاهة والإنتاجية الأعلى.&

وبمطالعتنا برنامج قمة 2016 فإن البرنامج يسعى إلى مزيد من التطوير، وأهم برامج التطوير التي ستشهدها القمة هو تحويل القمة من مجرد مؤتمرات سنوية إلى مؤسسة دولية تقوم بأعمالها المستمرة على مدار السنين والأعوام، كذلك من أهم برامج القمة هو وضع جائزة سنوية لأفضل وزير في العالم قام بتنفيذ برامج القمة في وزارته.&

ولكن لكي تقوم المنظمات الحكومية بإنجاز أعمالها على الوجه المطلوب، فإنها يجب أن تأخذ بأساليب إعادة التجديد والاختراع حتى تستطيع أن ترتفع بخدماتها إلى المستوى الأفضل.

&ولم يقتصر الحديث عن إعادة الاختراع على الدول التي تمر بمرحلة التحولات، أو الدول النامية التي تعاني مشكلات إدارية فحسب، ولكن باتت مناقشة هذا المدخل بمثابة لغة عالمية تنتشر في كل دول العالم.&

إن العالم ينظر إلى المستقبل من خلال مفاهيم إدارية واقتصادية جديدة تستدعي الوعي بمخاطر عدم تنفيذ الإصلاح الإداري، إذ إنه من المتوقع أن تتزايد معدلات البطالة، وأن فرص العمل ستقل، وأن الأسواق التقليدية ستتهاوى، وأن الاقتصادات الوطنية ستكون عرضة للتصدع والانفلات.&

وينطلق مفهوم إعادة الاختراع من الفكرة القائلة إنه بالإمكان تحويل الجهاز الحكومي من جهاز إنفاق إلى جهاز إيراد، ويمكننا أيضا تحويل الجهاز الحكومي من جهاز تكلفة إلى جهاز يحقق الأرباح، كما ينطلق مفهوم إعادة ابتكار الحكومة من المقولة التي تقول إن الإدارة الحكومية ـــ مثل القطاع الخاص ـــ قادرة على التكيف مع روح العصر وإعادة اختراع نفسها من حين إلى آخر، وإن العاملين في الحكومة ليسوا هم أساس المشكلة المتمثلة في تراجع الإنتاج والخدمات، ولكن النظام الإداري هو السبب الرئيس، كما أن المشكلات التي تواجهها الإدارة في العصر الحديث ليست بسبب الإدارة الليبرالية Libral Government أو الإدارة المحافظة Conservative Government، وإنما بسبب افتقاد تلك الإدارة إلى الفعالية والكفاءة.&

ولذلك فإن القمة الحكومية تهدف إلى الانتقال من رضا المتعاملين إلى إسعادهم، وتسعى القمة إلى تحقيق فكرة أن جوهر العلاقة التي يجب أن تسود بين الحكومات والمواطنين هو إسعاد المواطنين بمشاريع التنمية المستدامة التي تنشر مناخ الحياة الرغيدة والكريمة بين جميع الناس وفي كل ربوع البلاد.&

وأهم ما تتطلع إليه القمة الحكومية هو أن تتحول إلى منصة تفاعلية محلية وإقليمية ودولية، يشارك فيها نخبة من القادة وكبار المسؤولين الحكوميين والمختصين وصناع القرار، لتبادل المعرفة والأفكار واستعراض أفضل الممارسات حول كيفية الارتقاء بالخدمات الحكومية عبر أساليب ونظريات جديدة ومبتكرة وغير تقليدية، من خلال قنوات إبداعية ووسائط ذكية وتفاعلية يلمسها المتعاملون وينعمون بنتائجها الإيجابية الفعالة.

&

ولعله من حسن الحظ أن أسواق العمل في دول مجلس التعاون الخليجي من الموضوعات التي طرحت في القمة الحكومية، وخلص الاجتماع إلى ضرورة أن تعتمد الحكومات الخليجية سياسات وإجراءات أكثر عمقا وتحديدا فيما يتعلق بسوق العمل، لتنجح في التعامل مع الزيادة المطردة لتعدد فئات أصحاب العمل والعمال.&

ولقد ناقشت القمم الحكومية الثلاث السابقة أهم الممارسات الرائدة في القطاع الحكومي في كل من الإمارات وأستراليا وكندا وسنغافورة والمملكة المتحدة، وذلك اعتمادا على لقاءات أجريت مع كبار المسؤولين الحكوميين والمختصين في هذا المجال. وناقشت القمة كيفية تحقيق الكفاءة الإدارية في أربعة مجالات رئيسة هي الإبداع في الخدمات الحكومية، وتعميم استخدام الممارسات ذات الكفاءة العالية، وتحسين استخدام أدوات التحليل والقياس، إضافة إلى تعزيز التحفيز والدافعية.

&ولقد لفتت القمم الانتباه إلى أهمية استخدام الحكومات الإعلام الاجتماعي واستغلاله كأداة للتواصل مع المواطنين والأطراف المعنية، في تصميم وتقديم الخدمات الحكومية. لأن القمة تدرك أن استخدام الإعلام الاجتماعي يدعم الابتكار والتحسين المستمر في الخدمات، ما يسمح بالاستخدام الأمثل للموارد.&

كذلك أكدت القمم أن الدور المتزايد للحكومة الإلكترونية يعزز التقدم الشامل، كما أنه يفرض مبادئ الشفافية والنزاهة والمساءلة في جميع مناطق العالم، وأكد المؤتمر أن هناك حاجة إلى مزيد من التمويل المناسب لدعم فاعلية الحكومة الإلكترونية من أجل تقليص الفجوة الرقمية بين الدول، وبين شرائح المجتمعات حتى تصل الخدمات الحكومية ذات المستوى الجيد إلى كل الفئات والشرائح.&

إن وسائل وطرق الإصلاح وإعادة تجديد الحكومة قد تختلف من دولة إلى أخرى تبعا للنظم الإدارية القائمة والثقافات السائدة، ومع ذلك يتفق الجميع على الحاجة إلى سرعة الإصلاح والحاجة إلى حكومات تتجه نحو خدمة مواطنيها وتحقيق مصالحهم قبل أي اعتبارات أخرى.

&مرة أخرى، إن الإدارة الحكومية - مثل إدارة القطاع الخاص - لا بد أن تكون قادرة على التكيف مع روح العصر، وأن تكون أكثر انفتاحا وكفاءة، وأن توصف بالقدرة على النمو والتغير والتطور والإنتاج والمنافسة العالمية، وإعادة تجديد نفسها من وقت إلى آخر.