&محمد خروب

سرَق سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية الانعزالي ولورد الحرب الاهلية السابق وأحد أركان فريق 14 آذار، الاضواء من «الجميع» في لبنان، بعد ان أخذ على عاتقه (وربما بِدعم من عواصم عربية واقليمية ذات تأثير في المشهدين اللبناني والاقليمي)، مُهمة قلب الطاولة وخلط الاوراق وبخاصة في ملف الشغور الرئاسي المُمتد منذ نحو من عامين (ايار 2014)، عبر تبني ترشيح خصمه اللدود، الذي خاض معه حرباً دموية وُصِفَت في ادبيات الحرب الاهلية اللبنانية بـِ (حرب الالغاء)، الجنرال ميشال عون الى منصب الرئاسة، ما يعني في الظاهرـ إدارة ظهره لحليفه منذ عشر سنوات، زعيم تيار المستقبل سعد الحريري الذي بادر هو الآخر – ودون التشاور مع جعجع كأحد اقوى مسيحيي 14 آذار – الى «تسويق» ترشيح النائب سليمان فرنجية العدو الأول لجعجع، بما هو قاتل والده وأمه وأختيه في مجزرة إهدن، فضلاً عن كونه (فرنجية) صديقاً مُقرباً جداً من الرئيس السوري بشار الأسد وأحد حلفاء حزب الله.

ربما تكون مثل هذه التفاصيل ضرورية للإضاءة على مسار «المعركة» التي بدأت نُذُرها تلوح في الأفق بين «القِوى» الفاعلة على الساحة اللبنانية، بعد ان أقدم جعجع على كسر «التابوهات» وقفز – ولو في الشكل – من مربع الى آخر، في اشارة الى احتمال حدوث اختلال وتقلبات في معادلة التحالفات التي سادت بين الافرقاء المتناحرين في لبنان, بامتداداتهم الاقليمية ورعاية العواصم الدولية والتي كرستها «قناعات» (إقرأ ارتباطات وعلاقات) الزعامات الحزبية والسياسية والدينية وخصوصاً الميليشاوية بأن القرار في شأن الشغور الرئاسي، هو في الدرجة الاولى قرار دولي (كذا)...

جعجع اذاً، بات «العنوان» لأي تحرك مُقبل يستهدف ايصال رئيس ماروني الى قصر بعبدا، ليس فقط لأنه قطع الطريق على «حليفه» سعد الحريري، بامكانية تمرير سليمان فرنجية, وانما أيضاً لأنه (جعجع) رمى اكثر من كرة في اكثر من ملعب, سواء في فريق 14 آذار، الذي ضجّ،وخصوصاً مسيحيوه بالشكوى، بل وغمزوا من قناة جعجع بأنه قد «خانهم» وانحرف عن اهداف «ثورة الأرز»، أم في فريق 8 آذار، الذي وإنْ كان قد دعم علانية وفي شكل حاسم ترشيح عون واعتبر المرور الى قصر بعبدا لن يكون, الا اذا مَرّ من الرابية (مقر الجنرال عون) حيث اصر حزب الله على ذلك, رافضاً اي مساومة تستهدف طعن الجنرال او التخلي عنه, الا ان الاحراج كله يأتي من أن من «زكّى» الجنرال عون ورفع من اسهمه في الوصول الى منصب رئيس الجمهورية هو الانعزالي وزعيم الميليشيا الفاشية الملطخة يده بدماء الابرياء من لبنانيين وفلسطينيين وسوريين سمير جعجع, وبالتالي كيف يمكن ان يلتقي الحزب مع خيار رجل لم يَكُفّ للحظة واحدة ,عن الهجوم على خيار المقاومة والدعوة الى تسليم سلاح حزب الله باعتباره غير شرعي ودائماً في اعتبار الحزب اداة في يد ايران؟

وإذ يصعب مقارنة ما حدث بين جعجع وعون في الثامن عشر من كانون الثاني 2016, بالحدث التأسيسي الابرز الذي ميّز العقد الاول من القرن الحادي والعشرين, ونقصد هنا تفاهم «مار مخايل» الذي تم بين الجنرال عون والسيد حسن نصر الله قبل عشر سنوات تماماً (6 شباط 2006) وخصوصاً ان ورقة تفاهم مار مخايل اصابت نجاحاً كبيراً وأحدثت اختراقاً نوعياً وجدياً في العلاقة بين اقوى زعيم مسيحي (عون) واقوى زعيم شيعي (نصر الله)بما لا يُقارَن مع الاهداف الخبيثة وربما الشخصية والمؤقتة التي وقفت خلف تراجع جعجع عن مواقِفه وسحب ترشيحه لصالح عون, فإن من غير المنطقي تجاهل الاثار والاكلاف التي ستترتب على التصدع الذي سيُصيب اكثر من فريق وداخل اكثر من حزب وطائفة وتحالف, بعد أن نقل جعجع في ضربة كان توقيتها محسوباً لديه بِدِقَة, على مستقبل لبنان والمشهد اللبناني الجديد المتوقع أن يشهده لبنان, سواء وصل الجنرال عون الى قصر بعبدا أم حيل بينه وبين تحقيق حلمه (وحقّه بالتأكيد) في منصب رئيس الجمهورية؟ وما اذا كان سليمان فرنجية وتالياً حزب الله سيَقْبَلان الخوض في سباق كهذا, فرض قواعد لعبته عدوهما اللدود.. سمير جعجع؟

يبقى في السطر الاخير, التحذير من مغبة &الوقوع في وهم أن سمير جعجع بكل ما يُمثله تاريخه الاسود, من جرائم ومذابح وافكار انعزالية وطائفية مقيتة وتحالفات مشبوهة غَرَفَتْ على الدوام من تحالفه المعروف مع اسرائيل وخدماته المجانية لها في حروبها على لبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية وسوريا, وكيف يمكن لهذا الرجل أن ينقل البندقية من كتف الى آخر... مغاير ووطني؟ ما يُبرر القول: بأن ما جرى قبل يومين في ثكنته أو قلعته الحصينة في «معراب» بأنه قد لا يعدو كونه مناورة موصوفة على ما دأب ممارسة سلوك كهذا, منذ أن ظهر زعيماً كتائبياً انعزالياً في المشهد اللبناني قبل اربعة عقود.