&&سعود بن هاشم جليدان&

لا تقتصر ظاهرة دعم استهلاك الطاقة على الدول المنتجة للنفط أو المنتجة للطاقة بشكل إجمالي، ولكنها منتشرة بشكل واسع في شتى أصقاع الأرض. ولا تقتصر أساليب دعم استهلاك الطاقة على خفض أسعار منتجات الطاقة، أو دعم أسعارها من ميزانيات الدول، أو إجبار الشركات الوطنية المنتجة للطاقة على توفيرها في الأسواق بأسعار بخسة، ولكنها تشمل السياسات التي تتغاضى عن تكاليف التلوث البيئي والأضرار التي يولدها استهلاك بعض أنواع الطاقة كالفحم الحجري أو المخاطر المريعة المتصلة بالطاقة النووية، بل قد تتمادى بعض السياسات بمنح إعفاءات ضريبية للمنتجين والمستهلكين.

&ويدرك معظم البشر الأضرار البيئية والصحية المصاحبة لاستهلاك الطاقة، ولهذا يؤيدون مبدأ حماية البيئة وسَنّ وتفعيل القوانين والأنظمة القادرة على درء المخاطر البيئية والمهددة للصحة العامة الناتجة عن الاستهلاك المتزايد للطاقة. وتطرح بعض المؤسسات الدولية مقترحات لإصلاح أنظمة دعم الطاقة، حيث تركز المقترحات على شقين رئيسين: الأول يطالب بإلغاء جميع الإعانات المباشرة المقدمة لاستهلاك الطاقة، والشق الثاني والأهم يتضمن فرض ضرائب طائلة على منتجات الطاقة لاسترجاع تكاليف الآثار البيئية والصحية السيئة الناتجة عن استهلاكها. ويؤيد معظم المختصين إلغاء الإعانات السعرية، ويرون ضرورة إلغاء دول العالم لهذه الإعانات مع توفير دعم للشرائح السكانية الأكثر احتياجا لتعويضها عن خسائرها الناجمة عن إلغاء هذا الدعم. أما الشق الثاني وهو فرض ضرائب مقابل الأضرار البيئية والصحية فيبدو منطقيا من الوهلة الأولى، ولكن التركيز على مبدأ الضرائب وحده هو إغفال للطرق الأخرى التي تساعد على الحفاظ على البيئة، وتقود للنتائج الإيجابية نفسها على البيئة دون الحاجة لتحميل المستهلكين تكاليف ضرائب إضافية.&

ويمكن الحد من التلوث من خلال وسيلتين بدون فرض ضرائب، الأولى هي تحسين تقنيات ومعايير استهلاك وإنتاج الطاقة، أما الثانية فهي تغيير مزيج الطاقة المستهلكة من قبل الدول. وتتغاضى عديد من الدول عن نوعية التقنية المستخدمة أو المنتجة للطاقة لخفض تكاليف إنتاج الطاقة وخفض تكاليفها على المستهلك والمنتج المحلي، وذلك لزيادة قدراتها التنافسية على التصدير، والاعتقاد الخاطئ بأن تدني أسعار الطاقة في مصلحة المستهلك حتى لو نتجت عن استهلاكها أضرار بيئية. لقد نتج عن استخدام التقنيات الأكثر إضرارا بالبيئة آثار سلبية فادحة في عدد من الدول الصاعدة، حيث تتغاضى هذه الدول بدرجة أكبر من الدول المتقدمة عن الآثار السلبية للتلوث. وتبرز هذه المعضلة بشكل قوي في دول مثل الصين والهند وعدد من الدول الصاعدة الأخرى، التي ترتفع في كثير من مدنها ومياهها وهوائها مستويات التلوث إلى مستويات خطرة على الحياة البشرية والحيوانية والنباتية.

&

وتستطيع الدول خفض الأضرار البيئية الناجمة عن استهلاك الطاقة عن طريق تغيير مزيج استهلاك منتجات الطاقة. وتثبت تقارير دعم الطاقة الدولية مسؤولية الفحم الحجري عن نحو نصف التلوث العالمي، ولو تم استبدال الفحم الحجري أو جزء كبير منه بأنواع الطاقة الأنظف لتراجعت الآثار البيئية السيئة لحرق الطاقة. وبمقدور كثير من الدول وخصوصا الدول المتقدمة استبدال الفحم الحجري بمنتجات طاقة أخرى، ولكنها تستمر في استخدامه لانخفاض تكاليفه. وتدعي بعض الدول مثل الصين أنها تحاول خفض استهلاكها الضخم من الفحم الحجري لتحسين المعايير البيئية السيئة في كثير من مدنها، ولكن خطواتها بطيئة وطويلة الأمد. من ناحية أخرى، يمكن مزج الوسائل غير الضريبية مع رفع الضرائب بشكل جزئي وعدم الاعتماد على الضرائب وحدها في استرداد تكاليف الأضرار الناجمة عن التلوث.&

وتتحيز الإصدارات الدولية بشكل عام في قضايا دعم الطاقة ضد الوقود الأحفوري، حيث تبرز بشكل كبير الأضرار الجانبية لاستهلاكه، وتتجاهل إلى حد بعيد الأضرار البيئية لأنواع الوقود الأخرى. ولا تقل الأضرار الجانبية لبعض أنواع الوقود الأخرى وخصوصا الطاقة النووية عن أضرار الوقود الأحفوري. وإضافة إلى مخاطرها على السلم والأمن الدوليين، ينتج عن استهلاك الطاقة النووية مخاطر طويلة الأمد بالبيئة والحياة البشرية لفترات طويلة من الزمن. وترتفع مخاطر هذه الطاقة إلى مستويات غير محتملة في حالة الحوادث النووية، وقد أدى حادث الانصهار النووي في أوكرانيا والحادث الأخير في اليابان إلى آثار كارثية على البلدين.&

وسيرفع فرض ضرائب إضافية على المنتجات النفطية ـــ بدعوى استرداد تكاليف التلوث ــــ أسعارها النهائية بنسب عالية ويلغي آثار تراجع الأسعار الإيجابي الأخير على رفاهية المستهلك، كما سيخفض الطلب الإجمالي العالمي على النفط. وتشير التقديرات إلى أن إصلاح أنظمة دعم الطاقة ـــ كما تطالب به بعض المؤسسات الدولية ـــ سيخفض الطلب العالمي على النفط بنحو 13 في المائة. ولو تراجع الطلب العالمي على الطاقة بهذه النسبة فسيقود إلى آثار وخيمة على مصالح المملكة والدول الأخرى المصدرة للنفط، حيث سيخفض أسعار النفط طويلة الأمد بنسب تفوق نسب تراجع الطلب. وقد تقوم الدول المستوردة للنفط باستخدام حجج التلوث لرفع الضرائب المرتفعة أصلا على المنتجات النفطية في كثير منها، وتتغاضى عن فرض ضرائب مؤثرة في أنواع الوقود الأخرى، ما يضر بمصالح الدول المصدرة للنفط. وهذا يتطلب مطالبة الدول المستهلكة بعدم التركيز على استهداف النفط في الضرائب المفروضة على الوقود، ومناقشة هذه القضية وإثارتها في المؤسسات والمؤتمرات والاتفاقيات الدولية، ورفع القضايا القانونية ضد هذه الممارسات.