بسام البدارين

&&لا أحد يعرف كيف افترضت الحكومة الأردنية ان الاقتراب من العبث في ملف حساس وشائك يخص مليون شخص من حملة جواز السفر المؤقت خلال الأسابيع الأربعة الماضية يمكن ان يعبر بدون ضجة أو رد فعل أو حتى توجع شعبي لضحايا إجراءات جديدة من هذا النوع؟

وزير الداخلية الأردني أعلن بعد جدل وبلغة واضحة ان القانون الحالي للإقامة والأجانب النافذ لا يتطلب ولا يتضمن مطالبة أبناء قطاع غزة ومن يحملون جواز سفر مؤقتا بالحصول على اذن إقامة.

الوزير ولاحتواء الجدل الشعبي والسياسي الذي أثارته هذه القضية عاد وشرح ان التعديلات المقترحة على قانون الاقامة والأجانب لا تنطوي على تغيير على هذا الوضع.

لافت جدا ان شروحات وتوضيحات الوزير سلامة حماد أعقبت وخلال أقل من 48 ساعة ما نقله سياسيون كبار عن رئيس الوزراء الدكتور عبد الله النسور عندما اعتبر وكما نشرت «القدس العربي» في وقت سابق ان حمل جواز سفر أردنيا مؤقتا لا يعني الحصول تلقائيا على حق الاقامة وتصريح العمل.

على نحو أو آخر ولأسباب غامضة تراجعت الحكومة وفقا لمنطوق بيان وزير الداخلية عن اجراء بيروقراطي كان سيقلق نحو مليون شخص يحملون جواز سفر أردني مؤقت أغلبهم أبناء الضفة الغربية.

المشهد لم يقف عند حدود التناقض والتباين في تصريحات وافصاحات مطبخ الحكومة وبدا واضحا ان وزارة الداخلية لسبب أو لآخر لن تعمل بهذا الموضوع تحديدا بالتنسيق مع رئاسة الحكومة.

والمشهد نفسه انتهى بتناقضات متعددة حتى بين الوزراء، فوزير العمل نضال قطامين كان أول من أثار عش الدبابير في الجدل العام عندما أعلن اعفاء أبناء قطاع غزة من حملة الجواز المؤقت من رسوم تصاريح عمل لم تكن تصدر في الواقع كما يلاحظ البرلماني العريق خليل عطية وهو يتحدث لـ«القدس العربي».

لاحقا وعندما ثارت ضجة البرلمان وتبين ان وزارة العمل تتحدث عن اعفاء لرسوم على تصاريح لا تصدر أصلا بدأ الوزير القطامين وهو صديق شخصي مقرب من الدكتور النسور رئيس الوزراء يلمح في أوساط النواب إلى ان الإجراء تنظيمي فقط مظهرا ليونة في تطبيق التعليمات القانونية على أساس ان فرق التفتيش التابعة لوزارته لن تلتزم بحملات تفتيش على التصاريح تستهدف تحديدا أبناء قطاع غزة.

يعني الأمر ان اجتهاد وزارة العمل بموضوع له خلفية سياسية انتهى عندما أثار ضجة غير متوقعة بإظهار الاستعداد للتكارم مرة أخرى ليس فقط في الاعفاء من رسوم تصاريح العمل ولكن أيضا في المرونة في مسألة التفتيش وعدم التطبيق.

تلك مفارقة تظهر أيضا ان اجتهاد وزارة العمل لم يكن منسقا مع وزارة سيادية مهمة من حجم وزارة الداخلية بدليل ان الوزير حماد وعندما تعلق الأمر بتصاريح العمل طالب النواب بالتعامل مع الاطار القانوني في وزارة العمل وليس في وزارته.

نواب مخضرمون ومسيسون من بينهم سمير عويس ومحمد الحجوج وقبلهما خليل عطية انتبهوا مبكرا للمرونة المضللة فاقترحوا التصويت عليها في نص قانوني تجنبا لمزاجات الوزراء في المستقبل.

طبعا النص المقترح لم يعبر لان ردة فعل وزير الداخلية سلامة حماد أخافت النواب عندما بالغ في الحديث عن الاعتبارات السيادية الخطيرة والحساسة والتي تمنع في رأيه وجود نص في قانون الاقامة والأجانب يستثني من يحملون جوازات مؤقتة من اذونات الاقامة.

التردد والتناقض في تصريحات الوزراء تجلى أيضا عندما تعلق الأمر بجزئية التكارم المالي، فالانطباع من البداية كان يتعلق بسعي الوزراء لمساعدة رئيسهم في تعزيز واردات الخزينة من الرسوم بأي شكل.

هنا أيضا تم اعلان الاعفاء من الرسوم بعد اندلاع الضجة ما يكرس الانطباع مجددا ان خلفيات الإجراء سياسية وأمنية وليست مالية محضة وان كانت الإشارة الأكثر عمقا توحي بان مجمل التفكير في هذا الملف في مطبخ حكومة النسور لم يعبر عن عملية منسقة بين أفراد الطاقم الوزاري نفسه.

الإشارة الثالثة على التناقض الواضح والملموس برزت عندما حاولت وزارة الداخلية احتواء الجدل عبر اصدار بيانين.

في البيان الأول ينص وزير الداخلية شخصيا على ان قانون الاقامة والأجانب يضمن حق الاقامة بالنص لمن يحمل الجواز المؤقت وعلى ان التعديلات المقترحة لا تغير في هذه المعطيات.

هنا حصريا تبرز الازدواجية مجددا، فالوزير حماد هو نفسه من استعار كل ما يخيف في البعد والسياق السيادي عندما رفض قطعيا النص على استثناء من يحمل الجواز المؤقت من متطلبات الاقامة والعمل قبل ان يعود للحديث عن نصوص في القانون تضمن ذلك أصلا.

في البيان الثاني اختار مصدر مسؤول في وزارة الداخلية هو على الأرجح الوزير نفسه التحدث عن عملية افتراء حصلت وعن أقلام وتحليلات تتجاوز الحقائق الموضوعية وهاجم البيان الثاني بعبارات خشنة كل من أثار الجدل حول قصة الجوازات المؤقت والاقامة علما بان الحكومة نفسها هي من فعلت ذلك واخترعت القصة برمتها ابتداء من نقطة اعلان وزارة العمل الغاء الرسوم على تصاريح لا تصدر أصلا.

في كل الأحوال بدلت حكومة النسور من لهجتها في هذا الموضوع لكنها دفعت بسبب الأداء المتناقض والمتسرع لبعض وزرائها الرأي العام نحو مطالبة لم تكن في الواجهة سابقا وتتمثل في العمل على نص قانوني واضح يضمن احترام الدولة للوثائق التي تصدرها بصفة مؤقتة كما قال البرلماني والناشط السياسي مبارك ابو يامين لـ«القدس العربي».

ابو يامين أكد مجددا ولشاشة فضائية «العربية» ان الحكومة هي التي افتعلت هذا الجدل غير المبرر.

النتيجة تؤشر على ان الهجوم على الصحافة وأصحاب الموقف السياسي الرافض لمثل هذا العبث البيروقراطي لا ينتج عندما يتعلق الأمر بالتغطية على اجتهادات بيروقراطية متسرعة أو بضعف هوامش التنسيق داخل الفريق الوزاري لحكومة النسور مع الإشارة الملغزة إلى ان الهدف قد يكون على نحو أو آخر زرع مطبا مصنوعا بعناية واحكام في طريق وزير الداخلية القوي الجديد سلامة حماد ردا على مظاهر الاستقلال التي يظهرها عندما يتصرف أو يقرر أو عندما يحتفل باستعادته السهلة لهيبة الدولة أو حتى عندما يعلن للمقربين انه من خالف رئيس الحكومة وتيارا قويا في مشروع اللامركزية في بداية تسلمه لوزارة الداخلية.

&