&&فهمي هويدي

مواقع التواصل الاجتماعي وتقنيات ثورة الاتصال صارت مقلقة لهم في الغرب. كما أنها أصبحت مصدر امتعاض وقلق في بلادنا. إلا أن البون شاسع بين أسباب القلق في الحالتين. إذ هي اجتماعية عندهم وسياسية عندنا. أما كيف ولماذا فإليك التفاصيل.&

لا يجادل أحد في الميزات الكبرى والفوائد التي تفوق الحصر التي حققتها التقنيات للمجتمعات العصرية، لكنها حين تغولت في حياة الناس، واستولت على عقولهم وأوقاتهم، فإن تأثيراتها السلبية على السلوك الاجتماعي أثارت انتباه الباحثين وأصبحت مصدرا لقلقهم. فالناس الذين كانوا يسيرون أو يجلسون مرفوعي الرأس ويتطلعون حولهم، أصبحوا الآن يتحركون مطأطئى الرؤوس ومنكب كل واحد منهم على هاتفه النقال. والدراسات التي أجريت في الولايات المتحدة بينت أن الأمريكيين يقضون ما بين ٥و ١٠ ساعات يوميا مع الحاسوب والنقال، والأجيال الجديدة أصبحت تعيش مع تلك الأجهزة أكثر مما تعيش مع أهليهم وأصدقائهم، بل صار انتماؤهم «العائلى» للحاسوب أوثق من انتمائهم إلى محيطهم الإنساني. ولذلك قيل إن الأمريكيين أصبحوا شعبا «متواصلا». وخلص استطلاع أجراه «بيو ريسيرش سنتر» في عام ٢٠١٥ إلى أن ٧٠٪ من الأمريكيين المستطلعين صرحوا بأنهم يشعرون بأنهم أكثر ألفة وحرية مع هواتفهم.

&أستاذة الدراسات النفسية والاجتماعية بمعهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا شيرى تيركيل قضت عمرها المهني في دراسة علاقة الإنسان بالحاسوب. وخلصت في نهاية المطاف إلى أن «ثورة التواصل تنهش العلاقات الإنسانية وتفقرها في دوائرها كلها. في دوائر العائلة والصداقة وعلاقات الزمالة المهنية، بل والعلاقات الغرامية أيضا».

&لاحظت الباحثة في ضوء مئات الحوارات واللقاءات التي أجرتها إن تلاميذ مدرسة ثانوية في نيويورك أصبحوا يتجنبون النظر إلى من يكلمهم أو يخاطبونه. كما أنهم لم يعودوا يفهمون العبارة بلغة الجسد ومصطلحه ويرهقهم الإصغاء إلى المدرس كما ترهقهم مخاطبته. وذهبت في تحليلها إلى أن الشعور بالتعاطف والمواساة تراجع بنسبة ٤٠٪ عن مستواه قبل عشرين عاما بين أفراد عينة من طلاب الثانوية جرى اختبارهم.

&

مما خلصت إليه الباحثة أيضا أن إدمان التعامل مع أجهزة الاتصال يصيب الشباب بأعراض قريبة من «التوحد». الأمر الذي يجعلهم بمضي الوقت أكثر ميلا للعزلة وتجنب التعامل المباشر مع البشر. ولذلك فإنها اعتبرت تلك الوسائط نعمة حقا، لكنها نقمة أيضا.

&

ما يحدث عندنا مختلف تماما. فثمة قلق تعبر عنه بعض التصريحات الرسمية والتعليقات الصحفية حقا، لكنه ليس قلقا على الشباب أو العلاقات الإنسانية بين البشر. لكنه قلق على هيبة السلطة وسمعتها. والحوار الدائر في مصر لم يتطرق إلى تأثير وسائط الاتصال على المجتمع، وإنما يركز على كيفية مراقبة تلك المواقع، سواء لإسكات الأصوات الناقدة أو المعارضة التي ترتفع من خلالها أو لحجب الأخبار التي تحرص السلطة على كتمانها.

&

قرأنا في الصحف أن وزارة الداخلية قدمت مشروعا لمراقبة المواقع بدعوى أنها تشكل مخاطر أمنية يتعين إحباطها. وفي موافقة مفوضي مجلس الدولة على المشروع جرى الاحتجاج بـ«انتشار العديد من الصفحات على وسائل التواصل الاجتماعي التي تحرض على الدولة المصرية ومؤسساتها، وتهدر دماء العديد من طوائف الشعب المصري، الأمر الذي يمثل إضرارا بالغا بالأمن القومى». وفي التعليقات التي نشرت تأييدا لفرض الرقابة، جرى التحذير من الاستخدام المدمر لها ومن كونها تعمد إلى تفكيك الدولة عن طريق الحشد الجماهيري الذي يستصحبه إهانة رموز الدولة وإهدار هيبتها.

&خلاصة الكلام أنه في الدول الديمقراطية يعبر الباحثون عن قلقهم على صحة المجتمع وعافية أجياله، أما في بلادنا فالقلق يستهدف الحفاظ على هيبة السلطة ومقام رموزها. هم يريدون حماية الشباب وتحصينهم لأن الشعب هو مصدر السلطة. أما في بلادنا فالأمر مختلف لأن الشعب في خدمة السلطة، وهو ما يبرر الإصرار على تحصينها وقمع وإسكات الأصوات الناقدة لها. لذلك تعلو هناك وتسمع أصوات المصلحين، أما في بلادنا فلا صوت يعلو فوق صوت الأمن والأمنجية.

&