السيدة كلينتون وترامب!!

عثمان الماجد
في الثامن من نوفمبر القادم، أي بعد أيام معدودة ستختار أمريكا رئيسها من بين مرشحين اثنين، هيلاري كلنتون ودونالد ترامب، وستختاره بذات الأبجدية الديمقراطية التي تسير بها المجتمعات الغربية شؤون حياتها، أي بالانتخابات. هذه الانتخابات يرافقها عادة صرف باذخ على الدعاية والإعلان. صرف، مهما قيل فيه وعنه من كلام، إلا أنه يبقى عاكسًا لهيبة الدولة ومهابة أرفع منصب سياسي في الولايات المتحدة الأمريكية. من سيفوز في هذه الانتخابات سيصبح الرئيس رقم 45 لهذه البلاد الخرافية بما حباها الله من موارد، وبما اشتغل عليه أهلها ليوظفوا كل تلك الموارد لصالح الرفاه الاجتماعي لشعب نجح في أن يفتك من القارة العجوز ريادتها ليجعلها ظلاً له ويتبوأ مركز قيادة العالم.
في السابق كانت الانتخابات الأمريكية أكثر إمتاعًا وتشويقًا ومثارًا للاحتذاء، ولكنها اليوم -ولعل مرد ذلك خفوت بريق الشخصيتين المتنافستين على بلوغ البيت الأبيض- أصبحت أقل امتاعًا وتشويقًا، نضيف إلى ذلك عامل التخوف من أن أحدهما، وأقصد أيا منهما، إذا ما كتب له النجاح ووصل إلى البيت الأبيض فإن منسوب القلق لدينا نحن في دول مجلس التعاون سيرتفع خوفًا على العلاقات التي تربطنا مع هذه الدولة الكبيرة المرهون بأعطافها التقدم العلمي وجزء كبير من الأمن والاستقرار الدوليين، إذا ما هي أرادت ذلك.
السؤال المطروح هنا: لماذا صارت هذه الانتخابات أقل امتاعًا؟ أو بصيغة أخرى أكثر وضوحًا: لِمَ غدت هذه الانتخابات بالذات تثير القلق لدينا نحن العرب بعامة، ولدى مواطني مجلس التعاون بصفة خاصة؟ والإجابة باختصار هي أن في الانتخابات شيئا من المؤثرات النفسية الضاغطة على المواطن العربي لم يعهدها في الانتخابات السابقة، وعلى قناعته التي يشكلها مسار السياسات الخارجية للإدارة الأمريكية بأنه مهما كان الواصل إلى البيت الأبيض من بين هاتين الشخصيتين المثيرتين للقلق وليس الإعجاب، فإن شيئًا مأمولاً من تصويب العلاقة التاريخية بين دول مجلس التعاون والولايات المتحدة لن يحدث. فالحزب الديمقراطي هو من يحكم الآن وإذا قدر للسيدة كلينتون الفوز بالانتخابات فإن السياسة نفسها ستتواصل، وإذا لم تكن نفسها فإنها لن تختلف جذريًا إزاء القضايا الكبرى وخصوصا تلك المتصلة بالمصالح الأمريكية والعربية عمومًا، ومصالح دول مجلس التعاون تعيينا. وأقول إن التغيير لن يحدث انطلاقًا من معطيات جيوسياسية متنوعة، وتوجهات جديدة مفضوحة للسياسة الخارجية الأمريكية أفصح عنها الرئيس الحالي أوباما في تصريح أدلى به في مقابلة مع مجلة تايم -وتذكروا معي جيدًا أن هذا التصريح سيكون مسيرا للسياسات الأمريكية الخارجية-. لقد قال الرئيس الأمريكي في هذا التصريح «إن إنتاج الوقود الأحفوري في أمريكا يسمح لواشنطن بحرية الحركة لاختيار الشرق الأوسط الذي تريده والعالم الذي نريده». أبعد هذا التصريح شك في أن الولايات المتحدة الأمريكية تريد رسم خارطة جديدة تضمن بها مصالحها، حتى وإن كان ذلك على حساب صداقات قديمة؟ أما إذا قدر لترامب، المثير للجدل، الفوز، فالقلق في اعتقادي سيتضاعف لأن الرجل مسكون بفوبيا الإسلام والعرب. المهم عندي أن حالة القلق التي تسكننا مصدرها الاعتقاد بأن الخيارين المتاحين للشعب الأمريكي لا يتوافر لنا فيهما فضيلة يمكن إدراكها.
الأمريكيون وقبل أن يظهروا بلدهم قوة عسكرية واقتصادية جبارة أبهروا شعوب العالم وحكوماتها بالاكتشافات العلمية والاختراعات الصناعية المذهلة التي أغرقت دول الكوكب بالسلع في كل جوانب الحياة. فعند الحديث عن العلاقات بين الولايات المتحدة مع دول مجلس التعاون ينبغي أن توضع هذه الحقيقة في الحسبان باعتبار أن منتجات الصناعات الطبية والعسكرية والأمنية وجميع الصناعات الكمالية التي نشأت، ومازالت تعتمد عليها دولنا الحديثة مكتوب عليها Made in USA. هذه الحقيقية يجب تقديرها حق تقدير، وينبغي لنا ألا نسمح لأنفسنا في لحظة غضب وطيش من كثير من الممارسات السياسية للإدارة الأمريكية الحالية تجاه معظم القضايا الساخنة في منطقتنا العربية وخصوصًا في سوريا أن نتهور في ردود فعل قد نزيد بها من حالة التدهور في هذه العلاقات. وأعتقد أن من يدفع بهذا الاتجاه هو أحد اثنين، إما أنه يربح من تدهور هذه العلاقة مثل إيران أو المناصرين لها، وأما أن يكون غير مدرك لعواقب الأمور لغلبة بقية من نفحات يسروية وقومجية بشقيها البعثي والناصري.
من سيخلف الرئيس الأمريكي؟ كان لهذا السؤال في فترات انتخابية سابقة وهجه، أما في هذه الانتخابات فلا معنى لهذا السؤال، فالمتنافسان على اعتلاء سدة الرئاسة الأمريكية سيان فيما سينتهج من سياسات، فالاثنان يسعيان إلى ترجيح كفة مصالح بلديهما على مصالح أي دولة أخرى حتى لو كانت هذه الدولة حليفًا. وفي العلاقات الدولية ليس في ذلك من عيب. لكن هذا لا يعني بأننا يجب أن نلوذ بالسلبية سلاحًا، فالسياسة تحكمها مصالح الدول، ومصالح أمريكا كبيرة في منطقتنا كما هو شأن مصالحنا معها، وعلى قاعدة المصالح هذه ينبغي أن تنتهج السياسات وتعقد المفاوضات، لنكون بدورنا موجهًا رئيسًا للسياسة الخارجية الأمريكية وفاعلاً فيها لا مفعولاً به.
من الحقائق غير القابلة للنقض على مدى زمن طويل أن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تبقى ردحا من الزمن تمسك بزمام قيادة العالم. وكل الرؤساء الأمريكيين الذين مروا وجدوا دائما في دول الخليج العربي دولاً حليفة، إلا أن الرئيس المغادر للبيت الأبيض أراد في غمضة عين «أوبامية» أن يتنكر لهذا الإرث الديبلوماسي بأن أحال دول الخليج العربي إلى دول مكشوفة على جحيم إقليمي تسعى فيه إيران الملالي إلى الهيمنة سواء من خلال طابورها الخامس المبثوث هنا وهناك أو من خلال انتزاع العراق من امتداده الخليجي واليمن من حضنها الخليجي. وما يرجح هذه القراءة أن هاجس الهيمنة الإيرانية قد تضاعف وتجلى مكشوفا بعد اتفاق مجهولة تفاصيله مريب عقد بين طبقة ملالي إيران ومن تجاهر هذه الطبقة بتسميته بـ «الشيطان الأكبر»!
نعم الرئيس باراك أوباما أمضى ثماني سنوات رئيسًا لأكبر قوة عرفها التاريخ، وهو الرئيس الغني عن التعريف بمواقفه المتسمة بالبرود واللامبالاة حيال القضايا الحساسة في العالم، والتي تجد فيها شلالات الدم تتدفق والأرواح تزهق بكل أدوات القتل والتدمير كما يحدث في سوريا، في حين تجده يركز على شكاوى كاذبة لحفنة من عصابات تدعي الحقوقية أهدافها قطع دابر دولها المدنية والتمهيد لقيام دول ثيوقراطية، والمثال حي عندنا في البحرين على سبيل المثال. هذه كلها حقائق دامغة سلبية يصطدم بها العربي، وتظهر بشكل جلي أن أوباما ليس من أولوياته حقوق الإنسان والديمقراطية، وإلا لما بحث عن أكثر الدول انتهاكًا لحقوق الإنسان وعداء للديمقراطية ليتحالف معها مضحيا بدول مجلس التعاون الحلفاء التاريخيين لأمريكا.
رغم قتامة المشهد بناء على إرث «أوبامي» يمتد عمره ثماني سنوات، فأمريكا -على الأقل في الظرف الراهن -لا يمكنها الاستغناء عن حلفائها الخليجيين، ودول الخليج تحتاج إلى علاقتها مع أمريكا شرط تصحيح المسار والعمل على تغيير الموقف الأمريكي، وهذا أمر ليس بعزيز علينا بلوغه خصوصا وأن الدبلوماسية العربية الخليجية بقيادة المملكة العربية السعودية تتحرك في الاتجاه الصحيح.